«52» الدولة الاشترارأسمالية “مجازاً”: من المهم فهم الآتي، الدولة هي ذلك الكائن الخشبي الجامد التي يتطوّر وظيفياً على الرغم من الصفات المطلقة عليه كالدولة الرأسمالية والدولة الاشتراكية، أو أي نمط آخر قد يظهر في سياق الحياة الإنسانية المتصاعدة التطوّر. والدولة الصينية تأسست على أساس الأصول السوفيتية سنة 1949م بعد حرب داخلية طويلة وقاسية، وهي دولة جديدة على الشرق الامبراطوري والملكي وعلى النمط الأسيوي اقتصادياً. وفي البدء بسط الحزب الشيوعي الصيني على تلك الأراضي الشاسعة وعمّق نفوذه العسكري الأمني والسياسي والإداري، ونقل الملكيات الاقتصادية إلى أحضان قياداته المركزية والمحلية، وفي ذلك الزمن ترسّخت أسس الدولة الشمولية الرعوية تحت قيادة الحزب الأوحد، وتم طرد المنافسين وتصفية الخصوم من التيارات السياسية والعرقية والأثنية، وأغلقت الصين أمام العلاقات الدولية الإيجابية لمصلحة سيطرة وتحكم الزعيم “ماو” وجماعته الضيقة على غرار قيادة “ستالين”. واستحوذت قيادة الحزب الحاكم الواحد على ثروة البلاد الباطنية وعلى الرأسمال، واستغلت الطبقات والفئات الاجتماعية في العمل المأجور؛ بل أرغمتها على عمل السُخرة وعلى العمل شبه مجاني وجنت واستمتعت بالقيمة الفائضة والأرباح التراكمية، وهي التي خلقت الطبقة الرأسمالية من بين صفوف قادة الحزب في بكين والأقاليم، أي أن قيادة الحزب التي قادت الثورة الثقافية وصفت الكوادر المنافسة عمّدت نفسها كرأسمالية الدولة السوفيتية في الصين المعاصرة. وكانت فترة الدولة الشمولية الأكثر فاشية صعبة وقاسية على الحياة الإنسانية في بلد يزداد سكانه بنسبة عالية، حيث كان تعداد السكان قد وصل إلى مقربة من المليار نسمة والاقتصاد في حالته الأولية والتطبيق الاشتراكي كان فجّاً وتجريبياً محضاً، وفي نفس السياق كانت قد ولدت دولة صينية مناقضة على الجزر، والتي أطلق عليها أسم “تايوان” وخطت بمساعدة الدولة الاستعمارية الامبريالية، نحو بناء الدولة الرأسمالية على خاصرة الصين. واستمرت الدولة السوفيتية الصينية ثلاثة عقود بين حكم جماعة “ماو” وبين حكم جماعة الأربعة تحت قيادة زوجة ماو، وخلال الفترة الثانية شهدت الدولة الصينية تضادات وتغيّرات مهمة وبروز القيادات العميقة التي تحمّلت قيادة الصراع السياسي ضد “عصابة الأربعة” ومرحلة الانتقال المعقّدة من رحم الدولة الشمولية الفاشية المطلقة إلى رحاب الدولة “الهجينية”. والدولة الهجينية نشأت من الباطن في المستعمرة البريطانية “هونج كونج” إذ اتخذتها الدولة السوفيتية الصينية منفذاً لعلاقاتها الاقتصادية الدولية وفي داخلها زرعت الرأسمال والرأسماليين الحزبيين حتى أزف استقلال المستعمرة من بريطانيا وأعلنت كدولة مستقلة ارتباطية عضوية بدولة الصين من الناحية السياسية مميزة بكونها “دولة بنظامين” متعايشين أحدهما رأسمالي وثانيهما اشتراكي، ومازالت هذه الدولة الصينية تؤدّي وظائفها المحلية والإقليمية والدولية على أسس صيغت لها بعناية وضوابط صارمة. وفي زمن تدهور نمط الدولة السوفيتية في الاتحاد السوفيتي وفي المنظومة الاشتراكية في شرق أوروبا؛ استشعرت القيادة الحزبية الرأسمالية في الصين الخطر والكارثة الاجتماعية الإنسانية التي بدأت تدقّ الأجراس مؤشرة إلى أن الصين هائلة العدد السكاني ليست هي جمهوريات الاتحاد السوفيتي ذات الاستقلال الذاتي حيث وقعت الكارثة ولكن بصورة مخفّفة، وإذا تكرّرت في الصين فستكون ذات بعد عالمي، ولن تلملم الصين كما هي عليه الآن، فالصينيون اشتراكيون في الداخل ولكنهم رأسماليون في الخارج.