«19» لن نسرف في الحديث عن الشعارات على اختلاف كلماتها وجملها البراقة والجوفاء والعنيفة أحياناً؛ لأن هذا النص ونقيضه قد انقسم إلى شعارات “ثورية” وشعارات “رجعية” وإلى شعارات فاشية وشوفينية وشعارات سلمية... إلى آخر التصنيفات عبر التاريخ الإنساني, والمهم أن هذه الشعارات تتسم بالآنية (اللحظية) وتقوم بوظائف سياسية واجتماعية تعبوية وتحريضية قد تؤدي في حالة النزاعات والحروب إلى التدمير وإلى الإبادة البشرية, ولكننا سوف نتحدث عن اليسار ونصوصه السياسية والأيديولوجية والنصوص النقدية ضده من داخله ومن خارجه.. ومال معنى اليسار ميلاً جذرياً بحيث أضحى “اليساري” يعني “الرجل المتطرف في سياسته أو رأيه”، ولأن الأكثر جذرية في أطروحاتهم والذين كانوا يمثلون, سياسياً, الطبقة البازغة (العمالية) اتخذوا مقاعدهم في يسار قاعة الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) فقد أطلق عليهم “اليسار” أو اليساريون وجلهم من الاشتراكيين, وهكذا أصبحت كلمة “اليسار” مصطلحاً سياسياً يطلق على الشخص الاشتراكي أو الشيوعي ومن ثم على الحزب السياسي والحركة النقابية وكل المنظمات المضادة للأحزاب السياسية الممثلة للرأسمالية العصرية والتي طورت أدواتها ونصوصها في مواجهة اليسار المكتسح للعملية السياسية على النطاق الأوروبي والأمريكي وعلى النطاق العالمي بعد حرب 1914م - 1918م وحرب 1939م- 1945م. ومن المهم الإشارة إلى أن اليسار في أوروبا وأمريكا المتوزع بين نصوص الاشتراكيين ونصوص الشيوعيين توسعت مساحته الاجتماعية وتصاعد تأثيره خلال نصف قرن 1848م - 1900م مسجلاً رقماً سياسياً في بيئة صناعية ورأسمالية ازداد حجمها كماً ونوعاً بل وجرى تصدير رأسمالها إلى ماوراء البحار في القارات الثلاث التي كانت ترزح تحت نمط الاقتصاد الطبيعي والاستبداد الآسيوي، وحيث تنعدم شروط الحياة العصرية، وفي هذه السنوات ظهرت بصورة مباشرة أجهزة أمنية متخصصة في مكافحة اليسار ونصوصه الفكرية وحركاته السياسية (الأحزاب الناجمة عن المرحلة الجديدة). وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها على عشرات الملايين من القتلى وعشرات الملايين من الجرحى وتدمير اقتصاديات النهضة الصناعية الأوروبية ظهر إلى السطح العالمي الانقسام الدولي الكبير جغرافياً وسياسياً واقتصادياً بين اليسار واليمين؛ إذ تمدد النظام اليساري الدولي في القارات كلها ليس فقط نصوصياً (أفكار فلسفية) بل ظهور دول جديدة ذات أنظمة سياسية يسارية؛ ففي أوروبا انقسمت ألمانيا إلى يسار (ألمانيا الشرقية) تحت وصاية الدولة السوفيتية وإلى يمين (ألمانيا الغربية) تحت وصاية الدولة الأمريكية، وفي أوروبا الشرقية نشأت الأنظمة السياسية الاشتراكية، وكونت هذه الأنظمة اليسارية بنصوصها الفلسفية والسياسية وتطبيقاتها الاقتصادية وقيمها الاجتماعية ذات الطابع الاشتراكي “المنظومة الاشتراكية” المعتمدة على القوة المتعاظمة للآلة العسكرية السوفياتية المدعمة بحلف “وارسو”، وفي آسيا ظهر العملاق اليساري الصيني بعدد سكانه الملياري تحت قيادة الحزب الشيوعي الذي رأس قيادته السياسية “ماوتسي تونج”، وإلى جانب النظام اليساري الصيني ظهر تباعاً النظام الكوري الشمالي بعد حرب دامية بين الكوريتين والنظام الفيتنامي الذي كان حصيلة النضال الطويل والشامل ضد الوجود الأمريكي وحليفه اليميني في “سايجون”، كما ظهر نظام اليسار الدموي الأكثر تطرفاً في “كمبوديا” تحت قيادة “الخمير الحمر” الذي ارتكب جرائم إبادة بشعة والذي حوكم قادته بعدئذ بتهمة ارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية.وعبرت التجربة اليسارية عن استقلاليتها عن اليسار السوفيتي من خلال تبني أفكار الثورة الثقافية الماوية التي التهمت ليس فقط ملايين الصينيين بل التهمت الآلاف من قادة اليسار الذين ساهموا في انتصار اليسار في الصين في نهاية النصف الأول من القرن الماضي. رابط المقال على الفيس بوك