الدولة السوفيتية “الاشتراكية” نشأت الدولة السوفيتية بعد 17 نوفمبر 1917م، عقب انهيار النظام السياسي الامبراطوري الروسي ونهاية الحرب العالمية الأولى في القرن الماضي، وهي تعني سلطة أو حكومة “المجالس العمالية” التي مارست نشاطها المهني والسياسي تحت قيادة الحزب الشيوعي الروسي الذي انقسم آنذاك إلى أغلبية “بلشفيك” وأقليّة “منشفيك”. والدولة السوفيتية “الاشتراكية” كانت عبارة عن موضوع افتراضي في متن حيثيات الدولة الرأسمالية القومية وفي تعاليم المنظّرين الاشتراكيين في القرون ما قبل انتصار “البلشفيك” في روسيا نهاية الحرب، وهذا الافتراضي والتعليمات النظرية لم تكن تفصيلية بحيث نبني عليها تجربة دولية ناجحة، ولم تحدث عند التطبيق العملي لتعاليم بناء النمط الجديد للدولة أي فوارق جوهرية تميّزها عن الدولة الرأسمالية القومية؛ بل إن هذه الدولة نقلت: “1” الملكية الكبيرة لوسائل الإنتاج إلى ملكية الحكومة “السلطة التنفيذية” وعرفت بعدئذ “برأسمالية الدولة”. “2” نقلت التعددية الحزبية إلى الممر الضيّق أو الدائرة الضيّقة، وهيمن الحزب الواحد على سلطات “المجالس العمالية” الممثّلة المهنية والسياسية للطبقة العاملة. وحلّ الحزب السياسي الأوحد محل التعدُّدية الحزبية ومحل التحالفات السياسية، ونصّب الحزب الأوحد نفسه بديلاً وممثّلاً مطلقاً وشمولياً للطبقة المفترض بحسب التعليمات النظرية الاشتراكية أن تكون الحكومة والحاكمة في آن واحد، ونحن الحزب الأوحد بعد سيطرة “جوزيف ستالين” على إدارة الحكومة نحو الفاشية المفرطة مدشّناً جنازة الدولة الاشتراكية التي لم تسرِ الدماء فيها بعد وبصورة تحصّنها من الميول الرأسمالية البشعة؛ وبذلك المنحى الشمولي الفاشي أصبح الحزب الأوحد هو “الفرد الشمولي الفاشي الأوحد” الذي ينوب عن الحزب والطبقة الحاكمة. وعوضاً عن إعداد الدولة إعداداً سلمياً على قاعدة مادية تكنيكية ومؤتمة، وعلى قاعدة منظمات المجتمع المدني؛ دشّن “الزعيم الأوحد” الدولة ذات رأسمالية الحزب؛ أو بمعنى أكثر واقعية رأسمالية القيادات الحزبية العليا الممتدة والمنضوية تحت جناح الدولة الروسية الامبراطورية. وعقب الانتصار على النازية الألمانية والإيطالية في الحرب الأوروبية الثانية؛ انتزعت رأسمالية الحزب في روسيا حصّتها من الدول الأوروبية والمعروفة بعدئذ بدول المنظومة الاشتراكية، أو دول أوروبا الشرقية، وأرست في هذه البلدان نمط الدولة السوفيتية؛ أو بمعنى آخر نمط دولة رأسمالية القيادات الحزبية. وأستطيع القول إن هذه الدولة سلكت من الناحية الاقتصادية مسلك الدولة الرأسمالية القومية، وسلكت من الناحية السياسية مسلك الإقصاء السياسي والإكراه السياسي “خيار الانتماء إلى الحزب الأوحد الحاكم” وسلكت من الناحية الاجتماعية مسلك الدولة الرعوية الديماغوجية التي ترعى السكان دون تمييز؛ ولكن رأسماليتها تلتهم الامتيازات، وتستحوذ على أفضل فرص الحياة، وتستمتع بالأرباح. وتميّزت هذه الدولة بالتطرُّف القمعي للمعارضة وعسكرة الاقتصاد، والدخول في سباق تسلُّح لم يفضِ في نهاية المطاف إلى إشاعة العدالة الاجتماعية؛ بل أفضى إلى إهدار الطاقات العلمية، وإهدار مليارات الدولارات، وتحوّلها إلى أكوام من الحديد الذي لا جدوى منه. ومن رحم هذه الدولة اهتدى الصينيون إلى مزاوجة هذا النمط بالنمط الرأسمالي المعاصر، مجنّبين الدولة الصينية مآل الدولة السوفيتية التي انهارت بداية التسعينيات على أيدي القيادات الحزبية الرأسمالية الروسية، حيث فرّطت بالهيبة المحلية والدولية لدولة عسكرية عظمى أثارت الإعجاب.