بالتأكيد تبدو ديمقراطية القبائل مضحكة للغاية؛ لأن الإرادة الحُرّة للفرد القبلي تكاد أن تكون منتفية، كما أن الوعي السياسي للقبيلة ليس أكثر من وعي شمولي مغلق. ومن المعروف أنه دون الهامش الديمقراطي الذي اشترطه الحزب الاشتراكي لقيام الوحدة لكنّا الآن في تمام الحضيض، كما دون عزاء سنظل نردّد للأجيال القادمة: «مهزلة واعيالي وسموها وطن»..!!. وكما قال الدكتور أبوبكر السقاف فإن “الأقلية المغلقة التي لا تحاور إلا نفسها، تفرط مع مرور الأيام في التمركز في ذاتها، لأن الذهنية القبيلية حصرية بامتياز”. على أن ثقافة الثورة - كما قال البردوني - افتقدت إلى ثورة الثقافة للأسف، ولذا فإننا لانزال ك«النائمين في طريق السيل» حيث إن الفرق شاسع بين المحاربين في ظل المبادئ الوطنية والإنسانية، وبين المرتزقة المهمومين بلذات الحكم والغنائم، فيما الإخوة الذين تعانقوا في سبتمبر - باكين من الفرح – هم ذاتهم الذين تقاتلوا في أغسطس حتى فاض بهم الدم فوق قامتهم قامتين. ولقد صدق البردوني حين علّق على هذا السياق- الذي كالقبور لأنه يبلع ولا يشرق - بمقولته الشهيرة ضد العنصرية البدائية التي لاتزال متفشية في البلاد، صارخاً: “إذا كنت ستملك القدرة على علاج أطفالك كلما أصابهم مرض؛ فإن هذا لا يضمن لأطفالك السلامة الدائمة، وأطفال الشارع والمدرسة يعانون نفس الأمراض..!!” ما نريد التشديد عليه هو أن تبعية فكر الفرد لا استقلاليته يمثّل حجر الزاوية بالنسبة للوعي القبلي، فالمواطن الفرد يضيع تحت دواسة الوجاهات والأعيان ومرافقيهم وذويهم حتى ليصير عبداً، كما أن المواطن القبيلي يحتقر القوانين والمؤسسات محتمياً بالعشيرة حتى ليصير مبتهجاً بكل هذا التخلُّف المزري. وباختصار.. تبقى القبيلة طامتنا الكبرى في الشمال والجنوب معاً؛ لأنها ضد التطور وقيم الحداثة؛ كذلك ليس من الوطنية في شيء ضياع حقوق المدنيين فيما “أصبح استغلالهم يدخل في مجال التبجُّح وأيضاً الفخر” للأسف..!!. [email protected]