صدق ثم صدق ولا مجال لكي لا تصدق فأغلب طلاب جامعة صنعاء لربما بأمس الحاجة إلى مراكز نفسية لتدارك ما يمكن إدراكه منهم. سأحكي إليك مثلاً قصة صديق لي أعرفه جيداً ، درس مرحلته الثانوية في بيئة ذكورية خالصة، إعتاد خلالها على اختلاق المشاكل والاشتباك كل يوم مع واحد من زملائه بالحجارة .. فجأةً انتقل إلى التسجيل في الجامعة وراح في أول يوم من دراسته في كلية الصيدلة وهو يرتدي شميزه الأحمر الفاتح .. مغلقاً جميع أزراره حتى الرقبة وبدون كاوية. دخل الطلاب قاعة المحاضرة ودخلن معهم زميلاتهم وقسم الدكتور القاعة إلى نصفين إلى اليمين جلس الطلاب وفي اليسار الطالبات .. الأمور هنا خارج نطاق السيطرة بالنسبة للطرفين.. حالات الطوارئ والاستنفار ضرورية. الدكتور وحده في المقدمة يعرفهم عن نفسه مثل جهاز الراديو الذي كان جدي يتركه في الركن من سقف المنزل ثم يأخذ جدتي فاطمة إلى المطبخ ويتناول معها الإفطار.. وكنت اذهب أنا سراً لتحويله من إذاعة مكة إلى راديو bbc هنا لندن وكنت أتخيل نفسي حينها بأني أنا المذيع . رقاب الكثير من الطلاب تكاد تصاب بالانحراف وهم يسترقون النظرات استعداداً للصيد والافتراس وأخذ نصيبهم من كائنات هذا العالم الغريب العجيب. هن الأخريات مصابات بنفس الصدمة القليل منهم تجاوز ذلك بحكم الدراسة في المدينة أو المعاهد وكسر قليلاً من الحاجز ويتعامل مع الموضوع بشكل طبيعي.. فيما يذهب البعض منهم لاستعراض ذكورتهم على حساب زميلاتهم بنفس طريقة الضرب والرجم بالحجارة خلال مرحلة دراستهم السابقة. أسبوع بالكثير ويتم توزيع الحصص ليبدأ كل واحد منهم بعدها بالملاحقة واحياناً يحدث العكس.. كما يتم إشهار واطلاق المبادرات واللجان خلال الشهر الأول من الدراسة مع مراعاة الدقة في اختيار الجنس الثاني تبعاً للمصالح والعلاقات المتوقعة في المستقبل. بعدها يتم الاتفاق على موعد للاجتماعات ولو على طاولة صاحب البوفية المسكين والوحيد، ومن هنا مش حتقدر تغمض عينيك .. سأتابع لك رواية بعض تفاصيل المسلسلات التي تحدث ؟ لقد أصبح الطالب صاحب القميص الأحمر صديقاً لزميلته الشقراء بنت المدينة ويبدو عليها الأغراء من صورتها الشخصية في الفيس بوك .. تتوسع الأمور وتصبح المسألة اكبر من مجرد مبادرة شبابية أو لجنة علمية كما تم الاتفاق عليه منذ البداية. البعض يتبادلون الحديث بشكل طبيعي جداً.. لكن الكارثة عند من قد تخرج الأمور عن سيطرتهم خصوصاً بالنسبة لصاحب البلاد الذي قرر تفجير قنبلته كخيار حاسم ونهائي. تسلل الملذوع إلى صفحتها بنفس الطريقة ورجم إليها عشوائياً بالرسالة الأولى خاطبها في أول جملة. ( حبيبتي ) !! هههه واستقبلتها هي بغرابة ثم قامت بإعلان حالات الاستنفار والطوارئ بشكل رسمي .. دون أن ترد عليه إطلاقاً يستمر الملذوع في إرسال الثانية والخامسة والعاشرة دون جدوى .. بل ويأتي ليسألني بكل غباء ماذا أفعل.. أجيبه المصحة أو الانتحار. تتبخر المبادرات وتدفن أسماء اللجان وينتقل الجميع إلى ساحة اللعب بالنار تارة وبقرش الموز مرة أخرى بالنسبة لصديقي صاحب البلاد الذي صار يرتدي الجنز والجاكت أغلب وقته أصبحت أشاهده يضع يديه على رأسه ويستمر في الحديث مع نفسه وحيداً، أحياناً يمسك هاتفه المحمول ويتصفح كل الرسائل التي أرسلها إليها دون فائدة .. ويسترجع ردها الوحيد بقولها له .. اعتبرك مثل أخي وزيادة .. وتتبعه بالسؤال : ترضى أن يحدث مثل هذا لإحدى كريماتك ؟ أنا الآن لا أحدثك بهذا الكلام بغرض التسلية.. هذا هو الواقع الحقيقي الذي يحدث في جميع كواليس جامعة صنعاء كما اعرف واسمع عن الكثير من الزملاء. أقرب ما يمكنني أن أقول عن الكثيرين منهم انهم اصبحوا أقرب إلى مشاريع حالات وأزمات نفسية معقدة وصعبة للغاية وكذلك هن بالمقابل إن لم يكن جنانهن اشد وأزيد. منهم من أودت به الأمور إلى أمور كارثية والقليل من يستفيد ويقدر على معالجة الأمور واستكمال المشوار بتوازن. قد يعترف لك الطلاب جميعهم بسذاجة تفكيرهم منذ البداية بل ويؤكدون لك انهم يشعرون بالفراغات العاطفية الكبيرة كما يشعرون أيضاً بنقص الحنان من أمهاتهم وآبائهم بشكل اكبر لكنهم قد لا يخبرونك انهم لا يزالون يفطرون بحبتين خمير وواحد شاهي أحمر، ويمشون على أرجلهم ولم يقدروا على استئجار غرفة صغيرة بمبلغ 10 الف ريال. من الطبيعي جداً أن يكون هذا هو نتاج وعينا و ثقافتنا المجتمعية التي تطاردنا حتى داخل أكبر حاضنة تعليمية وتنموية في البلد – الجامعة –. بالنسبة للفتيات وان كن يتحملن الوزر الأكبر من المشكلة والتي قد تلحق بهن مستقبلاً وستؤدي حتماً إلى تضخم نسبة العنوسة خصوصاً فئة خريجات الجامعات إضافة إلى فئة الفتيات اللواتي ينخرطن في مشاريع المجتمع المدني كما جاء في تقرير الزميل الصحفي – سمير حسن – مراسل موقع الجزيرة نت - قبل أيام وتطرق فيه إلى مقدار هذه النسب والمتعلقة بهذا الموضوع وبالأرقام . ناهيك عن الكتائب السوداء المتسللة من وراء الحدود اليمنية بحثاً عن أخوه الشاب عرفات كنايةً لما حدث قبل أيام مع الفتاة السعودية هدى أل النيران وقبلها مع الفتاة الاسترالية التي أعلنت عن غرامها بشاب يمني آخر وهذه بوادر غير مطمئنة بالنسبة لإنتاجنا المحلي في بلادنا من الكائنات البشرية. وهنا فقط نقدر أن نعيد أسباب المشكلة إلى جذورها والمتمثلة في تركيبتنا المجتمعية المتأخرة والفهم المغلوط والذي قد يجبر بعض الآباء مثلا على التفكير أن دخول أبنائهم وبناتهم في احد مقاهي الإنترنت لإجراء بحث علمي طريق خصب إلى الانحراف. بمثل هذه الإشعارات تنتزع الثقة ويتولد الشعور بالنقص لدى الطرفين فيذهب كل منهم لتعويضه وإشباعه في مكان دراسته ومكان مروره في الشارع أو ركوبه في الباص حتى وفي كل مكان. ويستمر البحث عن مزة ( فتاة ) حسب التعبير الدارج لدى الكثير من الشباب أو البحث عن فارس الأحلام بالنسبة للكتائب السوداء – الطالبات - بالمقابل.