المرسوم الملكي السعودي الخاص بتصنيف الجماعات الإرهابية تضمّن فقرة في غاية الأهمية من حيث إنها تشكّل بداية عملية لنهاية عهد الارتزاق من مسمّى «الجهاد» وهو العهد الذي افتتحته السعودية نفسها في حقبة ما عُرف ب «الجهاد الأفغاني» في العقد الثامن من القرن الماضي. تنصُّ الفقرة في المرسوم الملكي على: «تجريم فتاوى القتال في الخارج، وحملات التبرُّع والدعم المالي لهذا القتال والمنخرطين فيه» وهي الفتاوى التي كانت تحرّض على التطوُّع للقتال في جبهات حرب خارج حدود الأوطان باعتباره جهاداً في سبيل الله ونصرة لإخوة الدين ضد أعداء الله من الشيوعيين والكفار, والتي مثّلت ظاهرة تاريخية ابتدأت بأفغانستان ثم انتشرت في بلدان أخرى, مثل الشيشان والبوسنة وكوسوفو, ثم تجدّدت مع الربيع العربي في كل من ليبيا وسوريا. من المسلّم به يقيناً أن الإسلام لا يرضى أن يتحوّل الجهاد المقدّس إلى تجارة سياسية وارتزاق مخابراتي؛ لذلك يأتي المرسوم السعودي ومعه الأهمية السياسية لتجريم المتاجرة بالإسلام والارتزاق من مقدّساته في حروب كانت وستبقى في خدمة المخابرات الدولية واستراتيجياتها الصراعية على النفوذ والمصالح. وتزداد هذه الأهمية حين يصدر التجريم من دولة كان لها السبق في استخدام مثل هذه الفتاوى وتوظيفها لصالح سياسات دولية وفي حروب أثري منها تجار الفتاوى وشيوخ المتاجرة بالمخدوعين من المتطوّعين عن إيمان صادق للقتال في جبهات خارجية. لم يأتِ المرسوم السعودي إلا بعد افتضاح أمر الارتزاق بالجهاد والمتاجرة بالمجاهدين, وتحوّله إلى خطر يتهدّد صانعيه حين اتسعت دائرة استخدامه ودخلت حلبة التحكم به جماعات ودول أخرى؛ بعضها قادر على استخدامه ضد الأسرة السعودية نفسها. ولهذا صدر المرسوم وفيه من الخير بذاته ما يمنعنا من الارتياب بدوافعه وغاياته, فالمهم أن تجرّم عملية المتاجرة بالمخدوعين والتجارة بالجهاد في أسوق الارتزاق السياسي من الحروب وجرائمها ضد الإنسانية والإسلام. يتوجّب على المملكة السعودية بعد هذا المرسوم القيام بحملة توعية تزيل ركام الزيف والتضليل اللذين انتجتهما سنوات الارتزاق بالجهاد وتوظيف الإسلام ومقدّساته والمغفّلين من أتباعه في حروب أرادتها المخابرات الغربية دفاعاً عن مصالحها ودفعاً لخصومها في الساحة الدولية ومنافسيها على المصالح والنفوذ. [email protected]