أن تكون إيجابياً يعني أن تهتم بقضايا وطنك وبالشأن العام بشكل عام، والإيجابية في الاهتمام بشؤون نفسك وشؤون الآخرين وشؤون المجتمع الذي يحيط بك، وأن تحيط نفسك بأصدقاء إيجابيين يدفعونك إلى النجاح والتفوّق وإلى إشعارك بالثقة والاطمئنان على المستقبل. في صلاة الجمعة لهذا الأسبوع كان خطيب الجمعة إيجابياً؛ لأنه تحدّث عن قضايا مهمة ولصيقة بالحياة اليومية للمواطن؛ لقد تحدّث عن أهمية الأمن في حياة الإنسان وعن دور المواطن في التعاون مع أجهزة الدولة، وعن المسؤولية الجماعية والاجتماعية للجميع في توفير الأمن للجميع. وكما قال فالأمن قبل الإيمان، أو أن الأمن والإيمان توأمان؛ كذلك تعاون المواطن مع أجهزة الدولة في تحقيق الأمن وفي تنفيذ برامج التنمية هو شرط أساس لتقدّم المجتمع والنجاح في تنفيذ تلك البرامج التي تستهدف تحسين مستوى حياة المواطن اليمني. أن تكون يمنياً عربياً مسلماً ليس مجرد أن تكون حاصلاً على البطاقة الشخصية، وتتحدّث العربية، وتؤدّي المشاعر الدينية فقط؛ لكن أن يكون لديك اهتمامات بشؤون وطنك وأمتك وأسرتك «من لا يهتم بشؤون المسلمين فليس منهم». كثيرة هي القيم والأخلاق التي تحثّنا على الاهتمام بشؤون وطننا والتي تتطلّب منا جميعاً تمثلها في حياتنا وفي سلوكنا اليومي سواء القيم الدينية أم القيم التاريخية والحضارية التي هي جزء من التكوين الروحي لشعبنا وليست قيماً مضافة أو مستوردة من الخارج. عندما كان خطيب الجمعة يتحدّث عن أهمية الأمن؛ كان فعلاً يتفاعل مع قضايا الوطن، وفي نفس الوقت يؤدّي واجباً وطنياً ودينياً في توعية المجتمع وفي إيصال رسالة إرشادية في هذا التوقيت الذي يعتبر فيه الأمن في مقدمة القضايا التي يجب أن يهتم بها التوجيه والإرشاد الديني وكذلك الإعلام. وهو في ذلك يتقدّم بشكل إيجابي عن غيره من خطباء المساجد الذين لايزالون يردّدون خطباً قديمة ونمطية، أو يتحدّثون عن الماضي وعن الغزوات والفتوحات الإسلامية والتي لا نقلّل من أهميتها في انتشار الإسلام والحضارة العربية والاسلامية، لكنها ليست مهمة إلا بالقدر الذي نربطها بالحاضر في استنهاض قيم الشعب والأمة لما يمكنه من الانتصار في معركة التقدّم ومواكبة عملية التطوّر للعالم المتحضر. لأن ديننا نفسه هو دين الحضارة والتفاعل والانفتاح على العالم؛ لأنه دين يحترم العقل ويمجد العلم ويدعونا باستمرار إلى التفكر والتدبر في شؤون الدنيا والدين؛ ولهذا هو صالح لكل زمان ومكان. أما تقديم الدين على أساس أنه جامد غير قابل للتطوّر وأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان تحت مبرّر الدفاع عن السلف الصالح؛ فهذا الغباء بذاته، وهو السلوك الذي لا يخدم الإسلام والمسلمين. إذن الإيجابية هي التفاعل مع قضايا الوطن، وتحديث الخطاب السياسي والإعلامي والديني بما ينسجم من متطلبات الحاضر والمستقبل، والمواطن الإيجابي هو الذي يتفاعل مع قضايا وطنه، ومحصلة تفاعل جميع المواطنين يعني مجتمع إيجابي قادر على النهوض من جديد والانتصار للحكمة اليمانية. [email protected]