نتفق على أنه لايمكن قيام دولة في ظل وجود من يتنازع مهامها بشكل ممنهج وصولاً الى تواطئها السافر معهم أيضا . ثم مافائدة الجمهورية في الأساس إذا استمرت الظواهر القديمة كسلطتي السيد والشيخ هي القائمة . ويقول التاريخ إن الأئمة تعاملوا مع اليمنيين إما كجيش براني وعكفة مهماتهم القيام بمأموريات التنافيذ والحروب ، وإما كرعية عليهم اتاوات وضرائب مالم يكونوا متمردين يجب تاديبهم ومصادرة أموالهم وأراضيهم . ذلك مارسخه الأئمة في السيكولوجية الاجتماعية بالطبع . ولقد كان المشائخ هم السبب الرئيسي لوجود السادة « كسلطة » بينما كان السادة هم السبب الرئيسي لاستمرار سلطة المشائخ . بالمقابل كرست دولة مابعد 26 سبتمبر دور المشائخ خلافاً لمرحلة الحمدي الذي أراد تحييد تدخلاتهم ومحاولة دمجهم في إطار الدولة والمجتمع ضمن مشروع وطني حقيقي، لنجد انفسنا في خضم انبثاق مشروع الحوثي كحاضن للوعي الإمامي الذي استمر يقاوم ثورة سبتمبر لسنوات عصياً على الاندماج او التحول . والثابت انه لامناص من أهمية تدعيم فكرة الدولة حتى يكون المركز الممتاز لها وليس لمراكز القوى والنفوذ . فلاجمهورية ولا مواطنة متساوية ولادولة مدنية من دون تحقيق ذلك أصلاً . وأما القبيلة فيجب ان لاتستمر في العمل ضد تواجد الدولة بل لابد لأبناء القبيلة ان يكونوا ابناء اليمن الكبير مؤمنين بأهمية استدعاء روح الدولة وتعزيزها بدلاً من العصبويات الخاوية و تحكم المشائخ بهم او سلطة السيد . وأما السادة فليس كل سيد مع الوعي الإمامي لاشك, غير ان على هؤلاء الاضطلاع بمهمة التنوير المسئول كما ينبغي وحتى لايتصدع النسيج الوطني أكثر . بالتالي لايجب ان يكون المذهب الزيدي اوالمذهب الشافعي هو مذهب الدولة على الإطلاق بقدر مايجب ان يكون القانون العادل هو مذهبها فقط . في حين على الدولة التعامل بذات الحزم تجاه تنامي نفوذ الشيخ والسيد خصوصاً إذا كانوا يصطدمون بنفوذها المركزي كما هو حاصل منذ سنين عبر عدم تصادمهم مع الصيغة الرسمية للدولة وعدم احترامهم لها . والحاصل أن من أبسط نتائج استمرار غياب الدولة منذ 26 سبتمبر تتمثل في استمرار حالة الانقسام الاجتماعي مايعني استمرار حالة الاستبداد واستلاب المجتمع والدولة معاً. ثم إن ذلك هو الاختلال الرهيب الذي يجب ان يصحح على نحو حقيقي.. ولقد كانت القضية على رأس أهداف ثورة 26 سبتمبر الخالدة كما نعرف « إقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات ». إلا أن 26 سبتمبر افتقد للمشروع الثقافي العميق الذي تقوم به الدولة ويؤثر في بنية المجتمع كما ينبغي . بمعنى آخر أعاق الأئمة تطور البنية الاجتماعية والسياسية في الشمال . فضلاً عن ان المأخوذين بالإمامة او المشيخة اليوم على رأس من يعيقون انتقال المجتمع الى الحالة المدنية بدلا عن الحالة التقليدية . لذلك يجب تحرير الدولة من هيمنات مراكز القوى التقليدية في الاساس ، مروراً بتفعيل استراتيجية ثقافية ذات اولوية وطنية مهمتها تغيير النظرة إلى الحكم من البنية الوراثية الى صيغة الشراكة المجتمعية على أساس الدمقرطة والمواطنة . فالدولة ليست الشيخ والدولة ليست السيد، إنها ليست الانحراف الرهيب باسم الدولة بقدر ماهي القيمة العليا لانصهار الجميع في صيانة حقوقهم والقيام بواجباتهم .. والخلاصة انه يجب ان يكون نصيب المواطنين في الدولة وامتيازاتها من كونهم مواطنين لا لشيء آخر ، كما ينبغي حضور الدولة بكل عواملها كدولة ماسيحد بالضرورة من سلطتي السيد والشيخ . [email protected]