شُُرفة على المستقبل .. الحديث عن القراءة ذو شجون، لكن الحديث عن الترجمة سيجعل الشجون أكثر تكسّراً «لأن الشجون هي أغصان الشجر المتفرعة» وذلك أن واقع الترجمة العربية «من وإلى العربية» لا تدلُّ الإحصائيات على مستقبل مبشّر بالخير، ومع ذلك لن أكون متشائماً ولا متفائلاً؛ لكني سأعرض الإحصائيات عليكم، ولكم الحكم.. نبدأ بالقراءة؛ ف 80 مواطناً عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة..!!. وهو رقم متواضع مقارنة ب 35 كتاباً يقرأه المواطن الأوروبي في السنة، و40 كتاباً يقرأه مواطن الكيان الصهيوني في السنة؛ على ذلك فإن المواطن الأوروبي يقرأ ما يقرأه 2800 مواطن عربي، أما مواطن الكيان الصهيوني فيقرأ ما يقرأه 3200 مواطن عربي..!!. وهذا ليس غريباً في دولنا العربية التي يقل إنتاجها من الكتب؛ فقد جاء في تقرير التنمية البشرية لعام 2003م أن الدول العربية أنتجت 6500 كتاب عام 1991م، بالمقارنة مع 102000 كتاب في أمريكا الشمالية، و42000 كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي. وأغلب عناوين الكتب المتصدّرة معارض الكتب في العالم العربي هي الكتب الدينية وكتب الطبخ والأبراج..!!. هذا وضع أمة أول آية في قرآنها “اقرأ” وجاء في التوراة “في البدء كانت الكلمة” وكل الكتب السماوية كان مهبطها على هذه الأرض التي لا تقرأ. وماذا عن الترجمة..؟! لا نعلم أمة ارتقت إلا إذا بدأت في الترجمة ونقلت علوم وآداب الآخرين إليها، ولعل ما حدث في زمان الخليفة عبدالله المأمون في القرن التاسع الميلادي من ترجمة كانت الفاتحة لنهضة الحضارة العربية الإسلامية التي بلغت أوجّها في عهده بازدهار حركة الترجمة، وما شهدته أوروبا من نهضة في القرن السادس عشر الميلادي كانت سابقتها حركة الترجمة التي نقلت ذخائر الشرق إليها عبر قنطرة الأندلس، وهكذا.. لكن وتيرة الترجمة العربية لم تسر في نفس المنوال من زمن المأمون؛ بل شهدت تراجعاً مرعباً في عصر كان المفترض أن تتزايد همتها ونشاطها أو لنقل همّة ونشاط القائمين عليها لتوفر أدوات النشر والنقل والتخزين في ظل الانفجار المعرفي المعاصر؛ لكن ما كلُّ ماشيةٍ بالرحل شِملالُ «أي سريعة» كما يقول المتنبي. يقول المترجم عزّت عامر: “يجب أن نعلم أن الدول العربية تحتل مكانة متأخرة في مجال الترجمة بالنسبة لغيرها من الدول، بل حتى تتراجع، ففي إحصائية لمنظمة اليونسكو تراجعت الترجمة في الوطن العربي، حيث كان نصيب البلدان العربية من إنتاج الكتب المترجمة في عام 1970م هو 10 في الألف بالنسبة لما أنتج في سائر أنحاء العالم، وكان نصيب الدول الأفريقية 7 في الألف، أما في عام 1986م، أي بعد 16 عاماً، فقد تراجع ما ترجم في الوطن العربي إلى 6 في الألف لتحتل بذلك المركز الأخير، بينما تقدّمت الدول الأفريقية إلى 12 في الألف”. وفي تقرير التنمية السالف الذكر يُذكر أن اليابان تترجم حوالي 30 مليون صفحة سنوياً، في حين أن ما يُترجم سنوياً في العالم العربي هو حوالي خُمس ما يترجم في اليونان، والحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي 10000 كتاب، وهي تساوي ما تترجمه اسبانيا في سنة واحدة. وتبيّن مقارنة أعداد الكتب المترجمة إلى اللغة العربية مع لغات أخرى سِعةَ الهوّة بين العالم والعربي بمجمله، وبين أية دولة في العالم، ففي النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين، كان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون، على مدى خمس سنوات هو 4.4 كتاب «أقل من كتاب لكل مليون عربي في السنة» بينما في هنغاريا كان الرقم 519 كتاباً لكل مليون، وفي اسبانيا 920 كتاباً لكل مليون، كل هذه الأرقام تدل على التردّي في نشاط الترجمة لدينا وانسداد في الرئة المتبقية لنتنفس ثقافات الآخرين، وكذلك ليعرف الآخرون مكاننا. نجيب محفوظ.. نموذجاً ولكي نعرف مدى تأخرنا في حركة الترجمة؛ دعونا نقارن بين أديبين عالميين أحدهما روسي والآخر عربي، فالروائي الروسي بوريس باسترناك احتاجت روايته «دكتور زيفاجو» التي صدرت في بلدها عام 1957م احتاجت سنة واحدة فقط لتنال جائزة نوبل عام 1958م برغم الستار الحديدي الذي كان بين الاتحاد السوفيتي آنذاك والغرب، في حين أديبنا الراحل نجيب محفوظ احتاجت ثلاثيته الروائية «السكرية وقصر الشوق وبين القصرين» احتاجت خمسين عاماً كاملة لكي تنال جائزة نوبل، فقد أصدر نجيب محفوظ أعماله تلك في عام 1938م ولم تحصل على نوبل في الآداب إلا في عام 1988م..!!. صحيح أن هناك اعتبارات كثيرة لنيل الجائزة العالمية، لكن حركة الترجمة ونقل العمل الأدبي من لغته الأم إلى لغات العالم المتداولة هو أكبر جواز سفر لتلك الأعمال حتى يتعرف عليها الآخر. في الأخير لا عذر لمعتذر في ظل برامج الحاسوب الآلية التي ضخّمت عمل الترجمة وصارت رفيق المترجم في عمله الحضاري المهم، ومنها برامج الترجمة الفورية لترجمة أغلب لغات العالم المتعارف عليها «نحو 65 لغة تقريباً» ولعل أشهرها «ترجمة جوجل» أو Google Translate على صفحات الإنترنت، فهل ترانا ننطلق..؟!. أترك الجواب لكم..