بين 19/3/2003م و19/3/2011م قُرابة العقد من الزمن العربي تحرّكت فيه جحافل جيوش الأطلسي من شط العرب إلى خليج سرت لإخراج كل من العراق وليبيا من نطاق الجغرافيا وإطار الدولة وإفراغهما من مقوّمات الوحدة المجتمعية ومقدّرات الثروة. في هذه الفترة أصبحت شهور العراق تُحسب بمقدار الفرق بين الشهر الدامي والأدمى، وتحوّلت أيام العراقيين إلى عداد ثابت لعدد الانفجارات وحسابات الجثث والجرحى وسجلات المفقودين والمشرّدين وقوائم النهب والفساد. الغزو الانجلوأمريكي للعراق تم خارج إطار الشرعية الدولية؛ لكنه تم وفق استراتيجية اعتمدتها إدارة الرئيس جورج بوش الابن بعد مأساة الحادي عشر من سبتمبر 2001م عنوانها البارز ثلاثي الأهداف «الحرب على مسمّى الإرهاب، والتخلُّص من أسلحة الدمار الشامل، وتغيير نُظم الاستبداد ودمقرطتها». ثم جاء باراك أوباما رئيساً لإدارة أمريكية جديدة ورثت عن سلفها تركة ثقيلة من الخسائر الجسيمة أنتجتها الحروب المزدوجة في أفغانستانوالعراق وخصوصاً تأثيرات المقاومة العراقية التي تمكّنت من عرقلة وإعاقة “مشروع الشرق الأوسط الكبير” الذي حملته إدارة بوش الابن على غطرسة القوة في العراق، وزعمت أنها تصنع في العراق المحتل نموذجاً قابلاً للتعميم في محيطه العربي. تمسّكت إدارة أوباما بالاستراتيجية المعنونة بثلاثة أهداف؛ لكنها غيّرت الوسيلة وآليات التنفيذ بخطاب ألقاه الرئيس أوباما في القاهرة 2009م حين أكد أن دمقرطة البلدان العربية لن تتم بجيوش واشنطن وحلفائها، وأن واشنطن ستدعم كل تحرُّك نحو التغيير والانتقال الديمقراطي. وفي نهاية العام 2010م اندلعت الانتفاضات الشعبية في الوطن العربي ابتدأت من تونس معبّرة عن ظرف تاريخي اكتملت فيه وبه كل مسبّبات الحراك الاحتجاجي السلمي الرافض للتسلُّط والفساد والمطالب بالتغيير والانعتاق. كان الأمر مبرّراً ومحموداً وهو يعيد فرز القوى بين شعوب وأنظمة؛ حتى ظهرت القضية الليبية محاطة بغموض داخلي وسرعة تحرُّك خارجي ابتدأ إقليمياً ثم أصبح عربياً ليتلقّفه الأطلسي في حاضنة دولية صدرت من مجلس الأمن بقرار نصّ على حماية الليبيين وتحييد الطيران الحربي للجيش الليبي. لكن الأطلسي بقيادة أمريكية انحرف بالمهمة إلى غزو وعدوان ليلحق ليبيا بالعراق، ثم اتخذ في سوريا سبيلاً مختلفاً لتنفيذ ذات الاستراتيجية ليكون تدمير الدولة وتفتيت الوحدة نتائج مباشرة لعدوان أطلسي تذرّع بالإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ونظم الاستبداد؛ لكنه نجح في إسقاط الدولة وتدمير المقوّمات الوطنية ووحدتها سياسياً ومجتمعياً. [email protected]