لو جاء اليوم الذي أصحو فيه على يمن بلا أزمات؛ أعتقد أني سأعتبر ذلك نذير شؤم، هذا البلد جاء نتيجة لقاء بين أزمة غامضة وفاسد بلا ضمير، فكان هذا البلد وجعاً يلازم أبناءه ولا يرحم ضعفهم. كل يوم تفتعل أيادٍ خفية أزمة تأتي على ما تبقّى من انتماء ساكن فينا بضمير مستتر، تقديره كان حاضراً بقوة، وعبثوا فيه، متناسين أن الوطن هو كرامة مواطنيه؛ هو أمانهم ومعنى وجودهم.. مرّ هذا الأسبوع حاملاً معه نعشاً جماعياً يدور به على حياة اليمنيين القاطنين تحديداً هنا في العاصمة، لم يحصد أجساداً بأرواحها؛ بل حصد أرواحاً وترك الأجساد مفرغة إلا من وجع التضييق الذي صار سياسة يجب علينا؛ وكمواطنين يمنيين يريد منّا الفندم والقائد والزعيم والشيخ أن ندندن له ونغنّي ولاء ووفاءً وانتماءً لوطن اتسخ بهم وصار عفناً مقزّزاً، ولم يخبرونا سبباً واحداً لنشعر بمعنى كل تلك المصطلحات التي نرى أنها جميلة ولكنا نحتاج إلى أن نشعر بها ونلمسها حقيقة. تُفتعل أزمة الكهرباء والانطفاءات، ويضيق الحال وتبلغ القلوب الحناجر، ويظل هذا الشعب صامتاً صابراً كأن أيوب عليه السلام تجلّى فيه وصار هو، تضاء بيوت المسؤولين والفاسدين، وتسير حياتهم طبيعية على وتيرة الاستقرار والهدوء والنور أيضاً، وتعجز الحكومة على كثرة أسماء شخصياتها وكثرة ألقابهم، تعجز أن تقف في وجه شخصيات لا نعرف هل هي حقيقية فعلاً أم وهمية، ومع ذلك نجدنا كشعب صابر نردّد بإدمان: “ضربوها، خبطوها” من هم لا أحد يعرف سوى الله وأولي العزم من المخرّبين والداعمين لهم، ولا نشعر بالملل من شراء الشمع والشواحن الصينية، وأيضاً الإنجاب. وأستطيع أن أحلف يميناً لن يكون غموساً أن معدّل الإنجاب في اليمن زاد إلى الضعفين خلال فترة الثلاث السنوات الأخيرة بسبب الانقطاعات المتكرّرة والطويلة للكهرباء، وهذا بحد ذاته يؤكد لنا مدى صبر هذا الشعب وقدرته على خلق المتعة والبهجة حتى في أسوأ أحواله وظروفه. وبين فترة وأخرى تُفتعل أزمة المشتقات النفطية، ويضيق الحال وتقف حركة البلاد، وتتزامن هذه الفرحة مع فرحتنا اليومية بالكهرباء، وتضاف إليها فرحة الماء والوايتات، وهنا لا يسعنا إلا أن نشكر أجهزة حكومتنا الرشيدة ونقول لها: «ساعة الرحمن قريب». لا أعتقد أن مانشتاً عريضاً على صدور الصحف يقال فيه إن هناك من يتقطّع لناقلات النفط - مع وضع خطوط حمراء كثيرة تحت عبارة «هناك من يتقطّع» لأن الفاعل هنا مجهول، يا سعم لدولة فيها جهاز أمني طويل عريض تذهب له نسبة كبيرة من الموازنة السنوية، ليأتي يخبرنا مسؤولون أن هناك من يتقطّع، واحنا وشطارتنا، يا نعرف من هو يا ما نعرف، وبالتأكيد لن نعرف لأننا ببساطة لا نملك جهازاً أمنياً، ولسنا كلاباً بوليسية مدرّبة في جهاز الاستخبارات الاسرائيلية نتتبع من يتقطّع ومن يخبط ومن يخرّب، نحن شعب ميّت سريرياً، وعلينا أجهزة لسحب دمائنا لتنتعش الحكومة وطاقمها من المشايخ والوجهاء والفاسدين وتجّار الأزمات والحروب والانطفاءات. فقط أرغب أن تخبرنا الجهات المعنية جزاها الله خيراً عن النسبة أو العمولة التي تحصل عليها مقابل كل أزمة «بترول - ديزل - غاز - كهرباء - مياه – أمن» وما هي خطتها المستقبلية للاستفادة من هذه العمولة لدعم الاقتصاد الوطني للبلد، وهل هناك مشاريع خطط لها ستذهب إليها أموال العمولات..؟!.