في معرض الكتاب بتعز، توجهتُ إلى جناح مكتبة أبي ذر باحثاً عن عدة كتب، أجاب البائع منزعجاً بأنها موجودة في المخازن لم نستطع عرضها، وأردف: لقد شغلنا هؤلاء وأشار إلى شاب يافع في باب المكتبة (يبدو سلفياً) وقد تجمع حوله الناس وهو يشير بتوتر إلى إحدى الكتب في إحدى الرفوف القريبة، معلناً رفض تواجدها في المعرض، محدثاً ضجيجاً غير لائق بالمكان، وبلحظات استوعبت معاناة صاحب المكتبة، وأشفقت عليه..ذهبت إلى الشاب اليافع الذي لايبدو أنه يقوم بتلك المهمة من تلقاء ذاته، وسألته، ماذا يزعجك؟ أجاب بصرامة: لن نسمح بترويج مثل هذا الكتاب، وأشار إلى عنوان “يوميات امرأة شيعية” وأضاف: هناك كتب أخرى علمانية وشيعية وسرد بعض العناوين، هل يرضيك هذا ؟ نحن لا نرضى..! أجبته: أنت مخطئ يا عزيزي، لماذا تفرض على الناس ما يجب عليهم قراءته، لماذا تجبرون الناس على كراهيتكم، أنت في عصر الإنترنت يا هذا، وبإمكاني تحميله من الإنترنت بلحظة.. وأكملت حديثي له مازحاً: ثم إذا كنت غيوراً من كتاب يوميات امرأة شيعية إلى هذه الدرجة، عليك إقناع إحدى السلفيات أن تكتب مذكراتها، وتنشره بعنوان “مذكرات امرأة سلفية” وهكذا تكون قد طبقت القاعدة الشرعية العين بالعين والسن بالسن، ضحك صاحب المكتبة رغم انزعاجه البالغ، ولم يعبأ السلفي بكلامي ولم يُقلِّل من حدة الضوضاء التي يفتعلها ببسالة شديدة وكأنه في جهاد.. دفعني أسلوب الرجل إلى شراء الكتاب رغم أني لا أهتم البتة بماقد يُكتب في مذكرات امرأة شيعية، حقاً كل ممنوع مرغوب، وذلك العنوان لم يكن ضمن اختياراتي لو لم أصادف تلك الوصاية الفكرية الهمجية والأسلوب الفج في فرض ما يجب عليك قراءته ومالا يمكنك قراءته، في مدينة يفترض أن تعيش أزهى عصور التنوع الثقافي والفكري، وفي ظروف تستوجب علينا الانفتاح على كل ثقافات الشرق والغرب إذا أردنا النهوض ومغادرة هذا الواقع الموبوء، بقيت في المعرض لبعض الوقت مندهشاً كيف يحدث ذلك في عاصمة الثقافة، ثم غادرت المعرض مغمغماً: بهكذا أساليب سوف تصبح حتماً عاصمة الغوغاء. [email protected]