يعد الإنتاج البشري بمختلف مشاربه إبداعاً ويكون إنسانياً خالداً بمعنى أنه استطاع أن يعبر البيئة التي أنتج فيها، ويلامس بقية شعوب العالم ويؤثر فيها، ويظل خالداً وكل ما ينبثق من صدق الاحساس وعمق التجربة والمعاناة، حقاً إن الحياة وتجاربها الشائكة هي من تصنع الفن والأدب والإنسان بذاته، ولكن هناك منطقة ما في النفس البشرية مسؤولة أيضاً عن الإبداع، قد لا نحس بها ولا نوليها أدنى اهتمام منا هي منطقة “اللاشعور” التي تختفي فيها مكنونات الروح وتوهجاتها، وفي لحظات “ما” تطفو تلك التوهجات لتصنع ما لا تستوعبه حواسنا المحدودة، لتندرج ضمن ما نسميه «بالمعجزة والأعمال الخارقة” ففي تاريخ الشعوب القديمة أشخاص عدّهم الناس أولياء وأصحاب كرامات ومقربين إلى الروح العليا، فهم استطاعوا أن يجتازوا تلك المنطقة المحددة، أو البعد المحدد للحواس البشرية، حين شفّت أرواحهم، وابتعدت عن الماديات، فقوي لديهم “اللا شعور” وهي المنطقة الموجودة فينا التي لا تخضع لمقاييس منطقية، أو مصطلحات تعودنا أن نستخدمها، أو تقاليد وأعراف تحكمت في تصرفاتنا، بل هي منطقة شاغرة قد تقودنا إلى أفعال نعجز عن تفسيرها فيما بعد، للإنسان قوى داخلية هائلة، والكثير لا يدرك حقيقتها، فالعوامل الخارجية المحيطة بنا هي من تقلل فرصة العزلة التأملية التي تقود إلى تعزيز وتقوية اللاشعور فينا، ونستسلم للمقولة المعروفة “إن الإنسان ضعيف” ونتحول إلى البحث عن وسائل خارجنا تعزز الثقة بأنفسنا، دون أن نلمس تلك الطاقة الكامنة المعطلة! يقول العالم الطبيعي أوليفر لوديج «إنهم يتصورون أنفسهم في معزل عن الكون وخارج عنه، وأن ما يتحكم به قوى خارجية فيتوجه إلى الدعاء والابتهال، ولكنا إذا استطعنا أن نفطن إلى أنفسنا وأننا نحن جزء من نظام هذا الكون، وأن رغباتنا ومطالبنا هي نفحة من الإرادة المسيطرة الهادية لم يمتنع على حركات عقولنا أن يكون لها الأثر الفاعل إذا سرنا بها وفاقاً لأصدق ما في الكون من القوانين وأعلاها.» وهذا يعني أن الإيمان واليقين “بشيء” هو سر نجاحنا فيه، واليقين والإيمان هو ما يُكتنز في منطقة اللاشعور، التي بدورها تؤثر على مسار حياتنا وإبداعنا، كل ما علينا هو أن نتأمل في أنفسنا أكثر مما تشغلنا الحياة به، حتى تتضح لنا الرؤية أكثر.