السريالية مذهب أدبي جديد ظهر في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى، وما خلفته هذه الحرب من حياة الضياع والتشرد والعبث واللاشعور والجنون والفراغ الفكري الرهيب في أوروبا، ففي هذه الظروف العصيبة نشأ مذهب أدبي عجيب عرف ب «السريالية» وهو يعني رمز الغموض واللاوعي والسخف،بعد ان ذهبت هذه الحرب الطاحنة بآمال الناس وجعلتهم يعيشون في حالة ضياع فكري رهيب لا يفيقون منه لإدراك الواقع وتصحيحه والتطلع لبناء المستقبل. كانت الفلسفة الفرويدية (آنذاك) تغزو أذهان الناس وتأخذ تعاليمها مكاناً رحيباً في أفكارهم.فقد كانت هذه الفلسفة تؤمن كل الإيمان»بعقدة أوديب» ومن هذه العقدة استنبطت تعاليمها وأفكارها التي تقول: ان الغريزة الجنسية هي المسيطرة على حياة الإنسان،تطغى على نشاطه وسلوكه وانحداره،وعلى سموه، وعلى نتاجه الأدبي والفني،وكل ما يصاب به الإنسان من عقد نفسية وما يكمن عنده في اللاوعي من مكبوتات وقوى خفيه،فإنما مرده الى تلك الغريزة..!. ثم جاءت مؤلفات ونظريات كل من ادلر،ويونج لترسخ الفلسفة الفرويدية.. لقد مهد كل ذلك لنشوء السريالية وظهورها للناس مذهباً أدبياً جديداً،يمثل كرد فعل للظروف العصيبة التي كانت تجتازها أوروبا . وكلمة السريالية معربة من كلمة «سريالزيم» والتي تعني ما فوق الواقع،أو فوق الحقيقة أو ما وراء الطبيعة الإنسانية. اتخذت السريالية مجالاً لها في الشعر والرسم، وان أول من حمل لواءها هم الشعراء،ومن الطبيعي ان يكون الشعراء هم الذين قادوا حركة السريالية وأقاموها مذهباً في الأدب والفن ، وذلك لأن لهم أحلاماً دائبة التطلع الى المستقبل والاستكشاف والبحث عن المجهول. القاعدة التي قامت عليها السريالية،هي التحلل من الحياة الواعية والتحرر من سلطان العقل،وان هناك واقعاً آخر اقوى فعالية وأعظم اتساعاً وهو واقع اللاشعور أو اللاوعي أو المكبوتات المنطمرة في أعماق النفس البشرية..حيث يسعى السرياليون الى إطلاق هذه المكبوتات وتسجيلها في شعر أو لوحات أو قصص ومسرحيات بطريقة الاستسلام للأخيلة المجنحة وأحلام اليقظة والإلهام، وكثيراً ما أفضى هذا بإنتاجهم إلى ما يشبه هذيان الحواس..!. كان السرياليون لا يعتدون بالمنطق والكلام المنسق المعقول وذلك لأنهم يعتقدون أن المنطق عاجز عن إبراز ما يستتر في النفوس الحالمة من رغبات ومطامع.وفي ذلك قال اتدريه بريتون «ان السريالية هي هذا الخلق التلقائي الذي يتعدى الواقع المكشوف الى الواقع المحجوب..». نظراً لطبيعة السريالية الفوضوية وسخفها وهذرها وهذيانها،لم تستطع كمذهب أدبي ان ترقى الى مرتبة المذاهب الأدبية الأخرى كالكلاسيكية والرومانسية، إذ ان زعماءها هم من حطمت الحرب أعصابهم وقضت على آمالهم،ولم تكن لديهم تلك الشجاعة المعنوية التي يواجهون بها الواقع المؤلم بثبات وصبر وجلد والإيمان بأن المستقبل سيكون خيراً من الواقع.وهذا هو السبب الذي جعلها تقابل الجماهير بالسخط والسخرية لذلك لا عجب اذا كان أثرها في توجيه الآداب يبدو غير ذي أهمية. ولا شك ان مثل هذه الحركة يتسم بالفوضوية وعدم المنطق والهذر والسخف والتحرر من الوعي والعقل يكثر في البلدان المهزوزة الإيمان المتزعزعة في عقيدتها التي تشكو فراغاً فكرياً،ومن يوصد أمامها أبواب المستقبل المشرق تظهر أمثال هذه الحركة بعيد الحروب،وفي ظل طغيان المادة على حياة الناس، جيل غاضب ينادي بالتحلل من القيم والأخلاق،وشباب تائهون ضائقون يعيشون في أحلام يقظتهم بحثاً عن أنفسهم وعن حاجاتهم يهربون من الواقع ويحاولون نسيانه، يتناول المخدرات ويطلقون شعورهم ويتركون أنفسهم على سجيتها..نعم شباب ألحت عليهم الحياة المادية بقلقها النفسي وأمراضها العصبية يبحث عن قيمته بعد أن أهدرتها الآلة.. ويبحث عن إنسانيته بعد أن فشل العلم المادي في الرقي بهذه الإنسانية..!. *كاتبة وأديبة جزائرية.