ما تمرُّ به البلاد من أوضاع اقتصادية متردية واختلالات أمنية فاضحة؛ تشير إلى أن هناك مؤامرةً كُبرى تُحاك ضد الوطن، كلنا مسؤولون ومحاسبون حكومةً وشعباً وأحزاباً وقوى وطنية ومنظمات مدنية وحقوقية ووجاهات وأعيان ومشايخ وحكماء في بلد "الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية والفقه يمان" الكل أمام امتحان صعب وعسير أن نكون شعباً حضارياً أو لا نكون، مع العلم كلنا نتقاسم هذه الأزمات والتحديات والصراعات لأنها في سبيل بناء الدولة المدنية الحديثة المعاصرة. أين دور علمائنا الإجلاء ومفكرينا ونُخبنا السياسية وحكمائنا وأدبائنا، نحن لا نريد شعارات برّاقةً وقرارات جوفاء، ولا نريد ممارسة البكاء أو الاستبكاء على أطلال الماضي؛ بل نريد وضع رؤى واضحة، وترجمة حقيقية على أرض الواقع لتلك المخرجات والنتائج والتصوّرات والتوصيات التي اتفقنا عليها، ووضع حلول جذرية لكافة القضايا والمسائل الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي يعانيها المواطن في كل أرجاء الوطن، المواطن اليوم أصبح لعبةً ودُميةً في أيدي المتاجرين بالوطن سعياً وراء السلطة وتحقيق مصالحهم الذاتية والآنية. فيا ترى متى نتخطّى تلك التأزمات والمشاحنات والصراعات التي أرجعتنا عقوداً من الزمن إلى الوراء وجعلتنا في ساحات دور الضحية والمظلومية والخصومة والعداء ضد الوطن أرضاً وإنساناً ووحدةً..؟!. إذا أردنا لوطننا وشعبنا العزّة والكرامة والأمن والاستقرار والنماء والرقي والازدهار فلابد من ربط النضال الوطني الصادق بعيداً عن الانتماءات أياً كانت بالنضال القومي، وأن مصلحة الوطن فوق مصالح الجميع. عندما نصل إلى هذا الاقتناع نكون قد وصلنا إلى الخطوة الحقيقية المؤدّية إلى طريق التلاحم الوطني لبناء الدولة المدنية المعاصرة، لذا لن تهدأ الأوضاع والأزمات في البلاد إلا باستقراء دقيق وفاحص لكافة الأحداث والمستجدات المستخلصة من تجارب الماضي بكل صوره وأشكاله وأنواعه - إيجاباً وسلباً - وأي شعب من الشعوب عندما يُصاب في أخلاقه وقيمه وتراثه يُهزم ثقافياً وحضارياً واجتماعياً؛ ولكن عندما يتمسّك بأخلاقه وقيمه وأعرافه المستمدة من عقيدته يصنع المعجزات، ويتغلّب على كافة أزماته ومشكلاته أياً كان نوعها. إن قيم العدالة والأخلاق والمبادئ السامية هي التي تحرّك كوامن الإنسان نحو العمل بوفاء وإخلاص وإتقانٍ تجاه قضايا وطنه وأمته، ولكن عندما تخور وتوهن تلك القيم والأخلاق تتهاوى الشعوب في متاهات الرذيلة والضياع. علينا أن ندرك أن الوطن يمرُّ بأدق وأخطر مراحله بأن يكون أو لا يكون؛ لأن هناك قوى ماردة حاقدة تحاول إيصاله إلى «اللا دولة» أي الحرب الأهلية والفوضى الخلّاقة، وما يحصل الآن في عمران من مشاحنات واصطدامات وغيرها إن لم نتفادها عاجلاً؛ فإن البلاد ستدخل في متاهات لا نهاية لها، وهذا ما يتمنّاه الأعداء والمأزومون نفسياً وسياسياً وفكرياً، ويعملون ليل نهار لتأزيم الأوضاع هنا وهناك؛ تارةً باسم «القاعدة» وتارة باسم الحوثيين وتارة بافتعال الأزمات النفطية والأمنية الخانقة للشعب و...إلخ.. وهلمَّ جرَّا؛ لأنهم لا تحلو لهم الحياة إلا في البرك والمستنقعات الآسنة، وأن يروا الوطن مظلماً بصراً وبصيرةً؛ حينها يتراقصون ويتبادلون الكؤوس؛ ليس كؤوس النصر وإنما كؤوس دماء الفقراء والبسطاء والمغلوبين على أمرهم، مع العلم أنهم قد بدأوا يرقصون ويشربون كؤوس الخزي والعار والانكسار..!!. إن الذين يشوّهون صورة الوطن الناصعة بالأفكار المتطرّفة والمبادئ المنحرفة والمذاهب المسمومة؛ هم من يدفعون الثمن غالياً - عاجلاً أم آجلاً - على حساب رُقي وأمن واستقرار أوطانهم وشعوبهم، فلا تسيئوا إلى أهل الإيمان والحكمة بتلك الأعمال الإجرامية الشنعاء التي ترفضها كل القيم الإنسانية وأهل اليمن بريئون منها؛ لأنها دخيلة على عاداتهم وأعرافهم وتقاليدهم وعقيدتهم. لهذا وذاك؛ فاليمانون اليوم بحاجةٍ ماسةٍ من أي وقت مضى إلى رص الصفوف وتوحيد الكلمة وتقوية الجبهة الداخلية وتناسي الخلافات مهما كانت من أجل أمن واستقرار اليمن، فالوطن مازال يئن من طعناتهم الغادرة وأساليبهم الماكرة ومؤامراتهم الدنيئة التي ألبسوها لبوس الحقد والكراهية والانتقام ضد أوطانهم وشعوبهم؛ تارةً باسم المذهبية وأخرى باسم الوطنية المذبوحة في معابدهم التي بنوها للقصاص والانتقام والثأر. اليمن اليوم يقف على مفترق الطرق؛ لأن هناك مؤامرةً كبرى تُحاك ضده - أرضاً وإنساناً ووحدةً وانتماءً - تهدف في المقام الأول إلى زعزعة أمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي وتعطيل عجلة البناء التنموي والاقتصادي؛ لكن هناك عملاء وخونة لديهم مصالح متبادلة بين الفرقاء والشركاء، وهذا ما يؤكده لنا التدخُّل الخارجي في شؤوننا الداخلية بصورة سافرة، وهو في حقيقة الأمر لعبة خارجية ممزوجة بنكهة داخلية مؤطّرة بإطار صليبي متصهين لإدخال المنطقة برمتها في أتون حرب ضروس طاحنة، وصولاً إلى المشروع الحلم «خارطة الشرق الأوسطية» من النيل إلى الفرات، ومن الفرات إلى باب المندب. لهذا وذاك نحن أمام تحدٍ عسير وامتحان عصيب؛ هم يريدونها دولاً فاشلة وحكومات ورقية وقيادات هُلامية لتمرير سياساتهم التوسعية وعودة نفوذهم السلطوي وتحقيق أهدافهم الاستراتيجية الجوسياسية في تلك الدول المتصارعة حول كرسي السلطة، وخير دليل على ذلك ما يدور من أحداث ومستجدات في أرض الكنانة وسوريا والعراق وليبيا وتونس، فالصورة القادمة قاتمة، ولكن من رحم المعاناة نضيء شمعةً بل شموعاً بإذن الله «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».