الظرف الذي أوصل عبد ربه منصور هادي إلى موقع الرجل الأول في الدولة في فبراير 2012 ، لم يكن هيناً ، ولم تزل تداعيات زلزاله كموجات ارتدادية تفعل بحياتنا فعلها القاتل . التركة الثقيلة لسنوات ما قبل العام 2011، ومترتبات ما بعدها لم تكن محصورة في موقع الرجل الأول في بلاد منخورة ، لا يفصلها عن التلاشي سوى قليل من العصف والبارود ، بل ومفتوحة أيضاً على كل اشتهاءات اللاعبين الاقليميين ودُماهم التي يحركونها في الداخل للإحراق كيفما ووقتما شاءوا . الرجل الذي بُرر له امساك العصا من المنتصف في بدايات حكمه بوصفه رئيساً توافقياً ، و توجب عليه الوقوف على مسافة واحدة من كل اطراف التنازع ، علقت عليه كل الآمال لإخراج البلاد من دوامة الفوضى والانقسام بين جيشين وأكثر من رأس متحكمة فيه ، رؤوس تبحث عن نصيبها من الكعكة ، لهذا رأينا كيف تجسدت المحاصصة في تقسيم السلطة والثروة بين أطراف لم تكن في وقت من الأوقات بعيدة عنها ، ولم تكن بمعزل عن الحلقات الضيقة لصنع القرار ، وما فرض مثل هذا المنطق الأهوج تلك التعارضات الحادة التي أوجدتها المساحات التي يلعب عليها الفرقاء وأهمها ثنائية الشرعية والقوة . فالرئيس المُستفتى عليه بإجماع كل الذين ذهبوا الى مراكز الاقتراع امتلك كل شرعية الحكم ، غير انه كان منزوع القوة اذ بقي التحكم بإدارة المؤسسات العامة وعلى رأسها الجيش يتم من قبل نافذي الرئيس السابق ، ومن قبل خصومه الذين انشقوا عنه . أما الشكل الموازي للقوة العسكرية ، ونعني هنا المليشيات المسلحة فقد تحكم بها طرفان مؤثران في عملية التسوية (الاصلاح والحوثيون ). لهذا توجب على هادي البحث عن مخارج لتفكيك هذا الوضع ، فكان أن أصدر حزمة من القرارات العسكرية في ابريل 2012 أبعد بموجبها قادة عسكريين محسوبين على الرئيس السابق ومنهم اشقاء له ، وهذه القرارات فعلت فعلها ولم تمرر الا بضغوط دولية شديدة ، وشهدت عملية اصدارها تمردات بالجملة ابرزها تمرد قائد القوات الجوية محمد صالح الأحمر (شقيق صالح) ، وقائد اللواء الثالث حرس جمهوري طارق محمد عبد الله صالح(ابن شقيق صالح). هذه القرارات افضت إلى خلق حالة محاصصة عجيبة وكان الهدف منها بدرجة رئيسية خلق لحظة ممكنة للقوة يستند عليها، الذي وجد نفسه محشورا في زاوية الابتزاز ، من قبل مراكز النفوذ العسكري والقبلي ، التي بدأت تعاظم من نفوذها مستغلة الغياب الكلي للدولة التي عملت هذه المراكز على مصادرتها إبان وجودها في قلب القرار لسنوات طويلة. فترة المد الإخواني في المنطقة بين 2012 و2013 كان تأثيرها واضحاً في شكل الترتيبات التي تمت في المواقع القيادية للدولة ، اذ قدمت الجماعة بتحالفاتها القبلية والعسكرية نفسها بوصفها الوريث الأوحد للتركة المتناثرة لمنظومة الحكم السابقة من باب اشتفاع الحق في الورثة من الأخ الأكبر وهذا التكالب الفج أتاح لقوى أخرى طالعة من ثنايا الحرب والفوضى ان تقدم نفسها كبديل لجميع المتكالبين على الثروة والسلطة ، لهذا لم يكن تعاظم قوتها وتمدداتها الجغرافية مستغرباً ، فحمولاتها من الفساد وتراكماته لم تكن بثقل حمولات خصومها الذين تساقطوا تباعاً أمام سيلها العارم المتشكل من المقاتلين الشبان المتعصبين في مناطق الشمال على وجه الخصوص. في هذه الفترة رأينا كيف كانت تربيطات مركز الحكم مع مثلث «أنقرةالقاهرةالدوحة » ، حتى وان بدت استعداءات طهران في الخطاب الرسمي تكتيكاً لخطب ود الرياض ، التي بدأت بالتخلي تباعاً عن حلفائها التاريخيين في شمال البلاد في رد فعل واضح ، مكن الحوثيين من التوسع في هكذا مساحة. المثلث الذي ستوجه له الضربة المميتة في مطلع يوليو 2013 ، حين تمت الإطاحة بمحمد مرسي وجماعة الإخوان من حكم أكبر دولة عربية وأكثرها تأثيراً، بدعم واضح من الخارج. هذا الزلزال سيدفع الرئيس الى البحث عن منافذ جديدة لترميم علاقاته مع الطرف المحسوب عليه سياسياً وتنظيمياً (المؤتمر الشعبي العام) ، وهذا الأخير الذي وجد في وضع مصر موضوعاً للمزايدة الاعلامية وللتشفي السياسي وكأن انتفاضة الثلاثين من يونيو الشعبية من صنائعه ، لهذا رأينا كيف تعرض الرئيس للضغوط من صقور المؤتمر ، وكان أكثرها تعييناً ووضوحاً ما حدث في مؤتمر الحوار الوطني ، حين عمدوا إلى تمرير اكثر الموضوعات جدلاً من بوابة الابتزاز والتعطيل أيضاً. الاذعان لهذا السلوك جعل من استضعاف الحاكم ، لازمة خطابية وسلوكاً تحشيدياً ، انطلقت مع الترويج لحملة (14 يناير 2014) ولم تنته بحملة احراق الاطارات أو ما عرفت شعبياً بحملة (تواير عفاش وسلامه) ، التي افصحت عن النية المريضة لاستعادة الحكم من بوابة الفوضى. الاتجاه جنوباً واحد من التكتيكات التنفيسية للنظام (المكبل ) الذي يحاول بعملية تقريب مجموعة من الرموز (التاريخية) في الحراك، اقناع الشارع ان خيوط اللعبة شمالاً وجنوباً لم تزل بيده، وهو أمر ليس متحققا بقوة التأثير السياسي إلا من باب الاشتغال على قوة القصور في تعارضات الفرقاء في الشمال والجنوب تماماً كما كان يفعل سلفه المتمرس على هكذا بهلنة أثبتت أيام العامين والنصف المنقضية ان رهانات مركز الحكم على (الاخوان وحلفائهم الباحثين عن السلطة غير المنقوصة على حساب الكل) و(صقور المؤتمر الحالمين باستعادة السلطة من بوابة الابتزاز والفوضى ) و (استجلاب الأسماء غير المؤثرة في الحراك) دون غيرهم من القوى المدنية ، ليس اكثر من الرهان على أحصنة خاسرة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك