أن تكون تعز مدينة المثقفين, فهذا يعني أنها لا تقبل إلا أن تكون بيئة تعايش بين مختلف الأفكار, فابن الثقافة لا يضيق بالرأي, ولا يضيق بالرأي إلا مُفلس كما يُقال, ومهما كان حجم الجرح المذهبي الغائر في الجسد اليمني اليوم فلابد من التعقّل وضبط النفس, وإلا سنخرِّب بيوتنا بأيدينا بفعل نزعات تعصب، نحن في غنًى عنها, بل إنها نزعات لا تنسجم مع طبيعة الإنسان التعزي الذي شبّ وشاخ على التسامي عن كل نزعة مذهبية. تذكروا أن آباءنا وأجدادنا ما تخاصموا في المساجد ولا تنازعوا, مع أن من يسعون للوقيعة بين الإخوة كانوا موجودين في زمنهم، مثلما هم موجودون في زمننا, ولكن لا تنسوا أن الآباء والأجداد – وإن لم يكونوا على قدر من التحضر الذي نحن عليه اليوم – ظلت أحلامهم تقزِّم وتحقِّر أي سلوك يسعى إلى إفساد الودّ بين أبناء الوطن الواحد. لهذا أقول للجميع: اتركوا تعز شجرة يستظل تحتها كل من لفحته رمضاء المذهبية في وطن ملتهب عقائديًا وطائفيًا هذه الأيام .. صدقوني إن كل من لم يستطيعوا التعايش في صنعاء وعمران وحجة وصعدة قد يأتي يوم لن يجدوا فيه الدواء سوى في تعز وجاراتها؛ لأنها ستعلّمهم معنى أن يكونوا أناسًا أسمى من هذه الصراعات التي تبدد الطاقات فيما لا يخدم الوطن ولا يساعد الناس على مواجهة أعباء الحياة. وإذن فليس في صالح اليمن كله واليمنيين كلهم استنساخ أي صيغة من صيغ الصراع المذهبي والطائفي المحموم في تعز .. فإذا استمرت كرة اللهب العصبوي في التدحرج سيفشل اليمنيون جميعهم وتذهب ريحهم, وسيهلك جميعهم في فوضى وصراعات لا أول لها ولا آخر, وسيضيع مستقبلهم وستنطوي صفحتهم إلى الأبد, فلهذا نرجوكم أن لا تتمسكوا بغير مبدأ المواطنة والتعايش والقبول بالآخر. لا تسمحوا يا أبناء تعز بالكراهية وبتغذيتها فيما بينكم, فكيف للعصبوية المذهبية اليوم أن تجد لها موطئ قدم بيننا ونحن شعب قد عجننا وعصرنا تاريخ من المصاهرات والقرابات والجوار والصداقات, فلا تمييز ولا تنافر, ولا تباغض ولا تناحر .. إن قوى الشر هي من تريد لنا أن نغرق في وحل الصراع المذهبي والطائفي وهي من تهيئ الأسباب لذلك, حتى لا تقوم لنا قائمة. وعلينا أن نتذكر نحن أبناء تعز أن محافظتنا مثلما علّمت غيرها من المحافظات وثقفتها؛ فإننا لابد أن نأمل عودتها من جديد لتعليم مناطق الالتهاب المذهبي والطائفي كيفية التغلب على هذه الحالة غير الطبيعية والعودة إلى سنن الآباء والأجداد في التعايش والتحابب والتقارب, وأنا موقن أن تعز لو أتيحت لها الفرصة من أجل تحقيق هذه المهمة لأنجزتها بنجاح, فهي بعقولها وطاقات رجالها وثقافات مثقفيها جديرة وقادرة .. فهل لنا أن نترك تعز كما فطرها الله.. مدينة تتعالى على التصادم المذهبي أو الطائفي, وإن كثرت فيها أسباب التصادمات والخلافات؛ والسر أنها بيئة غير صالحة لهذا النوع من الصراع؟! [email protected]