طبيعة الجدل السياسي وفق الواقع أن تتفنن في استخدام كل الخطوات والأساليب المتاحة لفرض واقعك، وإبداء مشروعية منهجك وأفعالك، ولا يهم ماينتج عنه من تضحيات سواء على من كان في صفك أو ضدك، يكفي أن تتسيّد وتحافظ على مركزك ومكانتك، وأن تحقق طموحاتك كيفما كانت ولو على حساب الأرض والإنسان. نحن نمر في مرحلة استكمال المصالح وترميمها، وإعادة الأهداف المفقودة إلى حيز التنفيذ بفعل اجتياح الأحداث والتي طرأت مؤخراً في المشهد السياسي وتأثيرها على الأوضاع كلها. الفعل السياسي القائم المرتبط باستبداد العقل والإنسان غلب رغبة التغيير إلى فرض إعادة ذات الواقع بمشهد آخر مكرر، بحيث صار التغيير (كومبارس) المشهد، والفرقاء أبطال متوجون حتى المشهد الأخير. لم يتغير واقع الإنسان اليمني لأنه في انسياب تنازلي في فهمه للواقع أو لمن فرضوا واقعه، كما أنه يفتقد للتفريق والتمييز بين من يقف مع وطنه وإنسانيته وبين من يقف في الضفة الأخرى، وتلك خطيئة لا تُغتفر في العُرف السياسي، ولا يمكن للحدث السياسي الفاعل أن يدير عجلته للخلف لتصحيح الحدث، ولا يمكن المراهنة على صحة الخطوات المتخذة، فالصورة هي فقط بشكل معكوس، وفرضيات الواقع يحتمل صحتها بينما الحقيقة تعكس غير ذلك نظراً (للمُعل) الذي لا يمكن أن يعطي لغيره ما يفتقده ويحتاجه لنفسه. فرقاء المشهد السياسي لعبوا أدوراهم السياسية بما تُملي عليهم أهدافهم غير واضعين ما يحدث للوطن من صراعات أو انهيارات اقتصادية. وتحقيق المصالحة بتناسي الأفعال الجسام والأضرار الناجمة سهل بالنسبة لمن لم يخسر ولم يقع على أحماله عبْء التضحيات سوى انكشاف (المصالح) التي طالما توارت خلف الحقيقة والتي غُيّبت طويلاً عن الجميع أو لم يعوها. ما يأمله عموم الناس وبسطاؤهم هو أن تُوجد لهم مساحة من حرية العيش وكرامته، والأمن والاستقرار تحت وصاية الوطن لا تحت ظل (رموز وأشخاص) مُفرغة، وإن يذهب الفرقاء إلى إعادة ترتيب خطوات بناء مصالحهم، فليس غريباً على ماجُبل عليه في ولاءاتهم وانتماءاتهم إلا أن ضرائب تلك الخطوات يتحمّلها عموم وبسطاء الناس ، فلاعزاء لنا وللوطن سوى إننا في مشهد سياسي لا يرحم. [email protected]