بدأ الإنسان يفكر بالظواهر الطبيعية والاجتماعية منذ بداية ظهوره وعبر مسيرته الحضارية، غير أن الكثير من الأمور ضايقته وهدّدت بقاءه ولم تكن واضحة الأسباب والعلل، وعلى الرغم من قوة إرادته إلا أنه أخفق في فهم أغلبها، وهنا انعطف الفكر الإنساني نحو الآفاق الروحية والطقوسية التي تألفت منها الحكمة العقلية والعاطفية والفلسفية للإنسان، وقد حاول الفلاسفة أن يصلوا إلى ماهية التفكير واعتبروا أنها نتاج تصنيفهم للعقل ضمن أحد الأسباب الثلاثة الموصلة إلى العلم، وهي: الحواس السليمة، والخبر الصادق، والعقل. التفكير بمفهومه العام: هو كل نشاط ذهني أو عقلي يختلف عن الإحساس، والإدراك الحسي أو يتجاوز الاثنين إلى الأفكار المجرّدة. أو هو البحث عن المعنى، سواء كان هذا المعنى موجوداً بالفعل ونحاول العثور عليه والكشف عنه، أو يمكن استخلاصه من أمور لا يبدو فيها المعنى ظاهراً. ونحن الذين نستخلصه أو نعيد تشكيله من متفرقات موجودة. التفكير بمعناه الضيق: هو كل توارد غير منتظم أحياناً من الأفكار والصور والذكريات والانطباعات العالقة في الذهن، أو عملية استثارة فكرة أو أفكار ذات طبيعة رمزية، تبعثه وتثيره مشكلة، تستدعي تفحّصها بقصد التحقق من صحتها أو ضبطها، وتنتهي باستنتاج أو استقراء، ويمثّل سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عند تعرّضه لمثير ما بعد استقباله عن طريق إحدى الحواس الخمس، من خلال عمليات عقلية معرفية الاستجابات المعلومات الجديدة بعد معالجات معقدة تشمل التخيل والتعليل و إصدار الأحكام، وحل المشكلات. التفكير الأسطوري والخرافي: من الصعب وضع حد فاصل بين التفكير الأسطوري والتفكير الخرافي، ولكن التفكير الأسطوري هو سمة تفكير العصور التي لم يكن العلم قد ظهر فيها، وتنشأ الخرافة نتيجة للتفكير المرتبط غالباً بالمعتقدات الدينية الخاطئة. ويتمثّل هذا النوع من التفكير في ربط أفكار الفرد بروابط غير حقيقية، فبعض الأفراد يصطنعون أحداث أسباب لا تبدو مسبّبة أو تحدث صدفة بطريقة عشوائية، حيث يقيمون بينها سببية تفتقر إلى علاقة مفهومة، وهو تطبيق وهمي يستند إلى أمور غير عقلانية. أي أنه تفكير غير علمي لا يعتمد على التجربة والأدلة المنطقية بل يعتمد القصص الخيالية والأساطير، وفيه يلجأ الفرد إلى أسباب غير طبيعية لتفسير أو حل مشكلات طبيعية تعزى إلى علل غير صحيحة أو غيبية لا يستطيع تحديدها أو التحكم فيها. الدائرة الفكرية: تمر عملية التفكير بمراحل تشبه الدائرة، لذا أطلق عليها (الدائرة الفكرية)، حيث ينجز التفكير الإنساني خمس وظائف رئيسية، وتظهر كما لو أنها متصلة ببعضها البعض، هي: الوصف: يبدأ الفكر فعالياته الفكرية بوصف للمعلومة أو المنبّه الذي يستقبله الدماغ، ثم التفسير: ويبدأ الإنسان بالتوسّع بهذه المعلومة وتفسيرها بأن يضيف لها مما في ذاكرته من خبرات ومعارف لإلقاء المزيد من الأضواء عليها وتبين أسبابها أو التنبؤ بنتائجها. ثم التقرير: وينتقل الفكر بعد ذلك إلى تقرير ما يجب فعله تجاه هذه المعلومة. وتنتهي بعمليتي التخطيط والتنفيذ: فيضع خطة لتنفيذ العمل وتوجيهه، وقد يتخذ قراراً بشأن منبه جديد. الإبداع والتفكير الإبداعي: يعد الإبداع من مكونات التفكير الرفيع، باعتباره يمثّل مهارة تفكير عالية الرتبة، ويتطلّب مصادر معرفية متعددة في حالة التعامل مع المهمة الصعبة، بحيث تكون هناك إمكانية عالية للفشل، ويعد مظهر سلوكي في نشاط الفرد يظهر من خلال تعامله مع أفراد المجتمع ويتسم بالحداثة وعدم النمطية أو جمود الفكر مع إنتاج يتصف بالجدة، أو هو عملية صب عدة عناصر يتم استدعاؤها في قالب جديد يحقق حاجة محددة أو التوصل إلى نواتج أصيلة لم تكن معروفة سابقاً، ويمثّل طرق الحصول على المعلومات ودمجها من أجل البحث عن الحلول الأكثر كفاءة. ويعني قدرة الإنسان على إبداع ما هو فريد من نوعه أو خارق للعادة، أي ابتكار الجديد. ويعكس التفكير الإبداعي ظاهرة متعددة الأوجه والجوانب، تتمثل في القدرة على الإنتاج الجديد. ويتصف بالمرونة والطلاقة الفكرية أو الأصالة والحساسية للمشكلات. ويفصح عن نفسه في شكل إنتاج جديد يمتاز بالتنويع ويتصف بالفائدة والقبول الاجتماعي، وهو مهارة يمكن لكل فرد لديه الاستعداد أن يتعلمها من خلال مادة تعليمية أو تدريبية أو موقف، ويعتبر التفكير الإبداعي مطلباً ضرورياً لمواجهة متطلبات الحياة وتقلباتها المستمرة. لذلك فالإبداع ليس حكراً على الطلبة المتفوقين أو الأشخاص ذوي الذكاء العالي، بل يعتمد على أهداف الفرد وعملياته الذهنية وخبراته وخصائصه الشخصية. ولا يمكن توضيح مفهوم الإبداع إلا من خلال الإحاطة الشاملة بالجوانب الأربعة الآتية: الشخص المبدع: بخصائصه المعرفية والتطورية، الإنتاج الإبداعي: أي ظهور الجديد من خلال التفاعل بين الفرد وما يواجهه من خبرات ومهارات. والعملية الإبداعية: ومراحلها وأنماط التفكير ومعالجة المعلومات، والموقف الإبداعي: أي الظروف والمواقف المختلفة التي توفرها البيئة للفرد المتعلم والتي تسهّل الأداء الإبداعي لديه. المكونات الأساسية للتفكير الإبداعي: 1 الأصالة: هي أصالة الفكرة وتفردها بسمات خاصة بها، ويتصف الشخص المبدع بكونه ذا تفكير أصيل.. لا يكرر أفكار الآخرين.. تكون أفكاره جديدة.. لا تتضمن الأفكار الشائعة. 2 - الطلاقة: القدرة على إنتاج وتوليد الأفكار بسهولة، والسرعة في التفكير، والمرونة في اتخاذ القرار والوصول إلى الهدف المرجو. فالشخص المبدع يكون متفوقاً من حيث كمية الأفكار التي يقترحها حول موضوع معين في وحدة زمنية ثابتة مقارنة بغيره. وهنالك ثلاثة أساليب لقياس الطلاقة هي: سرعة التفكير بإعطاء كلمات في نسق واحد. والتصنيف السريع لكلمات في منبهات خاصة، والقدرة على وضع كلمات في أكبر عدد ممكن من الجمل والعبارات ذات المعنى. 3 - المرونة: المرونة هي عكس التصلّب العقلي وتعني قدرة الشخص على تغيير حالته الذهنية بما يتناسب مع تغير الموقف الإبداعي، وللمرونة مظهران هما: المرونة التلقائية: وهي قدرة الشخص على أن يعطي عدداً من الاستجابات المنوعة التي لا تنتمي إلى فئة واحدة أو مظهر واحد. والمرونة التكيفية: وهي السلوك الناجح لمواجهة موقف أو مشكلة معينة. وتبدأ مراحل العملية الإبداعية بالتحضير لتحديد المشكلة، وفحصها من جميع الجوانب، وتجميع المعلومات والمهارات والخبرات عن طريق الذاكرة والقراءات ذات العلاقة. وتصنيفها بربط عناصر المشكلة معاً. ثم الكمون أو التريث والانتظار، وفيها يتحرر العقل من الشوائب والأفكار التي لا صلة لها بالمشكلة، ويحدث فيها التفكير العميق والمستمر بالمشكلة. ثم الإشراق: وفيها تنبثق شرارة الإبداع، وولادة الفكرة الجديدة التي تؤدي إلى حل المشكلة، وأخيراً التحقيق: وفيها يختبر المبدع الفكرة، ويعيد النظر فيها، ثم يجرّب الحل، ويتحقق من نجاحه. وتتمثّل العوامل المؤثرة على التفكير الإبداعي في صفات الشخص بارتفاع مستوى المرونة، والمبادرة، والحساسية، والدافعية، والمزاجية، والاستقلالية، وتأكيد الذات. والاستقلالية عن الآخرين وعدم الاكتراث بآرائهم، وتأتي كمحصلة لأسلوب التنشئة السليمة للأطفال: في أسر تشجع الاستقلالية، والمرونة، وحرية التعبير، وتقدم لهم الدفء العاطفي، والدعم المعنوي، مما يعزز لديهم تطوير السلوك والتفكير الإبداعيين، ويفسح التعليم غير المقيد المجال أمام الطلبة للتفكير الحر، ويُسهم في تطوير أساليب التفكير لديهم، وتسخيرها للإنتاج الإبداعي. [email protected]