أشرنا في مقال سابق إلى أن هناك توجهاً إقليمياً ودولياً لمنع اليمنيين من بناء دولة قوية في بلدهم وأوردنا بعض الأمثلة التي يتخذ منها الخارج حجة لانزعاجه من وجود دولة قوية في اليمن وهو توجه سيظل سائداً مالم توجد إرادة وطنية تتغلب على إرادة الخارج.. لكن الأخطر من ذلك والذي يهددنا من الداخل يتمثّل في وجود ثقافة الحقد والكراهية التي فرضت نفسها علينا كيمنيين ليعادي بعضنا بعضاً غير مدركين أن تاريخ الشعوب محكوم بعظمة هذا الشعب الأبي ووضعت خيارات ارتقى بها كل أبناء اليمن بمختلف فئاتهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية كمنطلق لاستعادة الدور الحضاري والتاريخي لليمن الذي عُرفت به عبر تاريخها القديم. لكن مع الأسف الشديد فما تزال تعيش بيننا فئات من هنا وهناك هي في الحقيقة تابعة لا تملك من أمرها شيئاً سوى ما يأتيها من توجيهات للعمل على محاربة مكتسباتنا الوطنية العظيمة تعمل من أجل أن تظل اليمن عرضة للتحامل عليها والدليل هو أن هذه الفئات التي أشرنا إليها هي من التفّت على مبادئ الثورة والجمهورية بعد أيام قلائل من قيامها قبل أكثر من نصف قرن كما يحدث اليوم حين سعى البعض إلى كبح جماح ثورة الشباب التي تفجّرت عام 2011م بحيث لا تحقق أهدافها التي قامت من أجلها، فعملت على احتوائها تحت حجج ومبررات واهية لتدخل اليمن في دوامة من الصراع بفارق أن بعض هذه العناصر الانتهازية قد ركبت الموجة بفعل القاسم المشترك الذي يجمع بينها على محاربة الثورة والجمهورية والوحدة اليمنية وتشويه سمعة اليمن في الخارج مثل استغلال الأحداث الجارية التي كان بالإمكان تطويقها لو تم التعامل معها بحكمة بعيداً عن حساسية أي طرف ضد آخر. ولكنها استغلت لتشويه سمعة اليمن.. إضافة إلى الدسائس والمؤامرات التي تُحاك هنا وهناك وكلها تصب في بوتقة واحدة تقوم بها فئات تعددت اتجاهاتها السياسية وتباينت أفكارها ولا يجمعها سوى التآمر على الوطن اليمني وثورته ووحدته كجزء من مخطط تقف وراءه قوى خارجية وتنفذه بأيدٍ يمنية أغراها المال وأعمى بصائرها الحقد والانتقام، متناسية هذه القوى الشيطانية أن وعي الشعوب الحرة التي لا تقبل على نفسها الضيم هو السبيل الوحيد لقطع الطريق نهائياً على كل من يحلمون بالوقوف أمام عجلة التاريخ، ومنعها من الانطلاق. ومن يتابع هذه الأيام وسائل الإعلام وخاصة القنوات الفضائية التي تجعل من اليمن متصدرة لأخبارها وما تحتوي عليه من مبالغة في التناول تجعل من يتأمل فيما تذيعه يعتقد أن اليمن على حافة الانهيار بفعل التناول الإعلامي الممنهج مع أن ما يجري على أرض الواقع ليس إلاَّ مجرد مشاكل تكاد تكون طبيعية تتعرّض لها اليمن في ظل مخاض عسير تعيشه مثلما يحصل في الدول الديمقراطية التي تؤمن بالرأي والرأي الآخر وتقر دساتيرها التعددية الحزبية وحرية الصحافة كجزء رئيس من حياة شعوبها السياسية. لكن لأن العين حمراء على اليمن دائماً خاصة من قبل أعدائها وأولئك الذين لا يحبون لها الخير، فإنه يتم تضخيم ما يجري ويُصور إعلامياً بحجم مغاير للحقيقة تشتم منه رائحة التآمر على اليمن وتشويه سمعتها في الخارج، وهو تصرف لا يمكن أن يقبل به أحد من أبناء اليمن المخلصين لوطنهم والمدافعين عن ثورتهم ووحدتهم. إن هذا النوع من الحروب الإعلامية المدمرة للقيم والمبادئ والأخلاق يحسن الأعداء استغلاله في كثير من الحالات للتأثير على الشعوب خصوصاً وأن هذه الشائعات المحبوكة جيداً يتفنن العديد من علماء النفس والحرب الإعلامية ورجال الاستخبارات في إدارتها وتوجيهها وتقديمها للمشاهد والمستمع عبر الأبواق الإعلامية الغربية المعادية ومن يواليها لأمتنا العربية والإسلامية في قالب يجعل ممن لا يعرف الحقيقة يُصاب بالخوف والقلق وهذه الوسائل التي تلجأ إلى هذا النوع من التضخيم للأمور قد عودتنا دائماً لجوئها إلى الحرب الإعلامية والادعاءات الكاذبة قبل وأثناء أي عمل تُقدم عليه الدول صاحبة المصلحة في ذلك كخطوة أولية ومهمة لتحقيق أهدافها الخبيثة لا بهدف الترويج فحسب وإنما بهدف تزييف الحقائق وطمسها وتهيئة الرأي العام لتقبلها دون التفكير في حقيقتها ومدى صحتها وكثيراً ما تقع الأنظمة في الفخ فتصدق ما يُقال، ولذلك فإننا سنظل نسمع الكثير والكثير من الشائعات المغرضة التي تتصاعد في ظل الحرب الإعلامية الدائرة والتسابق على نشر الأكاذيب والمبالغة في تصويرها للأحداث الصغيرة لكي تتحول إلى أحداث كبيرة مخيفة، وهو ما يؤكد زيف المعلومات التي تبثها بعض القنوات الفضائية عن هذا البلد أو ذاك كجزء من الحرب النفسية في إطار حرب شاملة اقتصادية وسياسية تستهدف تقويض معنويات الشعوب ومحاولة لتمرير مخططات ومبررات التدخل في شؤونها وهذا ما تهدف إليه الحملة الإعلامية الحالية ضد اليمن من داخلها وخارجها، وأن كان هذا لا يعني أن نحمّل الجهات الخارجية المسؤولية الكاملة فيما يحدث وإنما يجب علينا أن نعترف بوجود مشاكل وأخطاء نحن اليمنيين الأقدر على معالجتها من خلال الحوار والتفاهم بين كل الأطراف المعنية سواء كانت أحزاباً سياسية أو شخصيات اجتماعية مؤثرة، لكن ما يجب أن نؤكد عليه رغم وجود المشاكل وبعض القضايا العالقة هو أننا أفضل من غيرنا على الأقل في محيطنا الإقليمي، فالجميع هنا يشارك في الحياة السياسية ويتمتع بكل الامتيازات والصلاحيات والحقوق الأمر الذي يعلّق عليه أبناء الشعب اليمني أملهم في أن كل الفئات ستعمل على تحقيق شراكة منتجة خلال الفترة المقبلة تعزز المكاسب الوطنية والوقوف وقفة جادة ضد من يتآمرون على وحدة الوطن ويزرعون الألغام في طريقها مستندين على حسابات خاطئة اصطدمت بإرادة شعبية صلبة منعتهم من أن ينفذوا مخططهم الخطير لا سيما أولئك الذين يشيعون بأن تحديد اليمن إلى أقاليم هو تقطيع لأوصال وحدتها الوطنية وهو ما اضطرهم إلى الاستعانة بالخارج لتشويه سمعة اليمن من خلال شنّ حملة إعلامية عليها ظالمة تخصصت في قلب الحقائق رأساً على عقب يشارك فيها مع الأسف الكثير من أبناء جلدتنا وخاصة من يعتبرون أنفسهم مراسلين لهذه الوسائل الإعلامية والذين يتسابقون على تزويدها بمعلومات غير صحيحة تحت اعتقاد أنهم بذلك يحققون سبقاً صحفياً غير مدركين أنهم يتنافسون على تشويه سمعة بلدهم في الخارج وهم يعلمون أنهم سيفشلون كما هو ديدنهم دائماً، لأن الحقائق سترد عليهم على أرض الواقع. [email protected]