لم نعرف عن العيد سوى وجهه الفرائحي الذي يحنُّ إليه المجتمع ويترقّبه الأطفال بشوق بالغ لا يُجارى؛ غير أن المعاجم اللغوية المعتبرة تكشف للعيد وجهاً آخر وربما مغايراً تماماً لما ألفناه، فمعناه اللغوي المقدّم على ما سواه وظل طي المواربة والكتمان هو عود وتكرار لهمّ أو مرض أو شوق ونحوه، كما أنه في مرتبته اللغوية التالية كمفهوم دارج بين الناس يوم يُحتفل فيه بمناسبة اجتماعية أو دينية، أي أن لفظ «العيد» تعبير عن معنيين متناقضين؛ الأول مبهج، والثاني مزعج، وطغيان المعنى البهيج وشهرته بين الناس لا يلغي دلالته المزعجة المعروفة بين فصحاء العرب وعلماء البيان، هذا جانب، والجانب الآخر هو أن قضية تغييب أو جهل العوام بالوجه الدميم للعيد جعلني بصورة تلقائية أشبّه هذا الغموض العيدي بالسياسي اليمني الذي يحرص منذ تولّيه المنصب في الحكومة على تقمُّص الوجه البريء والطفولي للعيد والظهور بمظهر المُحب لوطنه المتفاني في خدمة شعبه، وعلى الرغم من أن معجم الواقع المعاش الذي نكابده كل يوم يعجُّ بالمآسي والفساد والتسيُّب ونهب الثروات والخيرات وتوسع رقعة الفقر وازدهار عوامل الإفقار والظلم؛ غير أن تمثيلية السياسي بقناعه الملائكي المستعار للأسف تنطلي علينا ونظل رهن مسلسل خدعه الماكرة ردحاً من الزمن، ولا نكتشف الذئب المتوحّش الكامن فيه إلا عندما يفقد منصبه الحكومي أو العسكري الاعتباري. والأنكى هو أن الذئب السياسي لا يكشّر عن أنيابه العطشى للقتل والتدمير في وجه خصومه المفترضين؛ بل للانتقام من الشعب بكل أطيافه؛ وهو ما يعد شذوذاً وطنياً وأخلاقياً لا نظير له في الدنيا، لذلك يصنّف السياسي اليمني في قاموس العلاقات الدبلوماسية والسياسية الدولية بأنه الوحيد الذي تكون خطورته على وطنه وهو في الجهاز الحكومي أقل بكثير عمّا ستصبح عليه لو سُلبت منه وظيفته وسقط في صفوف المعارضة، المعارضة التي تشكّل حاضنة خصبة لاستقبال وتبنّي كل ناقم فقد نعيم المسؤولية على اختلاف مستوياتها ومراتبها في الجهاز الإداري للدولة بشقّيه المدني والعسكري، والإفادة من خبرات منزوع المسؤولية وجعلها حراباً تُوجّه بعناية إلى صدر الوطن، وهذا ليس غريباً أبداً، فالسياسي المعارض يحمل نفس الميول العدوانية التي نجدها لدى نظيره السلطوي، والفرق البسيط بينهما أن خطورة المعارض تكون أقل إذا فتحت له المسؤولية ذراعيها. أنا شخصياً أميل إلى تصديق ما قيل وما يقال من «أن خطورة السياسي اليمني على بلاده تجري منه مجرى الدم» كل ما يدور من حولنا ونراه بأم أعيننا يزكي هذا التوصيف التعيس، وأعتقد ومعي كثيرون أن هذه العبارة هي أقرب ما تكوّن إلى الحقيقة، وستظل كذلك في الذاكرة الجمعية إلى أن يثبت العكس. [email protected]