ثالثاً: فتحت المبادرة الخليجية، ممراً آمناً، محمّلاً بعشرات المليارات من الدولارات والعملات الأخرى للذين عاثوا في المنطقة فساداً وانتهكوا حريات وحقوق المعذّبين الذين وقعوا في دائرة بطش المجرمين الذين تعاقبوا على مفاصل السلطات الأمنية والعسكرية والإدارية والسياسية سابقاً والذين تحوّلوا بين عشية وضحاها من مجبولين بالفقر والعوز إلى وجاهات وإن كانت كرتونية وملاك أراضٍ وعقارات وأرصدة مالية في البنوك المحلية والخارجية. ويمكن توصيف هذه المبادرة ضمن الأعمال الإجرامية السياسية التي تشرعن لنشاط الفاشية مسبقاً ولاحقاً وهي تحفظ الحق في ممارسة الإجرام العلني المعفي حتى من المساءلة المستحقة إنسانياً، وبذلك العمل المشين انحازت المبادرة إلى الطغمة السابقة التي أدمنت الإجرام منذ وقت مبكّر وهي تتخطّى السلّم وصولاً إلى قمِّتها الجحيمية؛ ولم تقدّم إلى الضحايا أية فرصة لانتزاع حقوقهم المشروعة؛ بل شيدت سوراً بين الضحايا والعدالة وحصلوا على صكوك غفران..!!. ومنحت النصوص فرصاً أخرى لأفراد الطُغمة ومن عمل معهم لإصلاح أنفسهم والبدء بحياة جديدة بعيداً عن المؤامرة والإجرام المباشر وغير المباشر؛ غير أن هؤلاء أضافوا إلى الجرائم التي اقترفوها سابقاً جرائم جسيمة مشينة.. وتعتبر التهم المفروض توجيهها إلى هؤلاء الذين حصلوا على براءة مسبقة من جهة ليست ذات اختصاص من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم ولا التغاضي عنها؛ فأفراد الطغمة الأساسيون يمكن منطقياً وموضوعياً توجيه التهم ضدهم من عشرات الآلاف من أصحاب الحق الخاص؛ وهي تهم قد تصل إلى آلاف التهم إضافة إلى مئات التهم المتعلّقة بالحق العام. وكانت حرب 1994م فرصة ومرجعية لمحاكمة الطُغمة الفاشية بتهم ارتكاب جرائم حرب، حيث دمّرت مكسباً مهمّاً ليس لسكان المنطقة اليمنية بل لسكان الإقليم والعالم وهو عدم العودة إلى دسائس الساسة المنتفعين بتجارة الحروب وعدم العودة إلى الحروب الدورية التي أزهقت مئات الآلاف من السكان، إضافة إلى أن هذه الحرب دمّرت مشروع بناء الدولة التي حملتها مضامين الاتفاقيات بين الأطراف المتحاربة والمتخاصمة على الدوام. وتأسيساً على بنود الحصانة وما نجم عنها من قوانين وإجراءات؛ فقد تمّت الترجمة العملية لذلك من خلال القرارات المانحة لهؤلاء وأهمها: 1 المشاركة في تشكيل الحكومة مناصفة؛ وكأن الحكومة عبارة عن أضحية يتقاسمها المتوحّشون، وهذا منح جميع المتحاصصين الحق في اغتنام الفرصة لافتراس الأضحية، وهي الإيرادات العامة على شحّتها ومن ثم الإجهاز على سكان دمّرتهم البطالة والعوز المستدامين. 2 إعادة إنتاج الذين عاثوا في المنطقة فساداً منذ أكتوبر 1977م أو إعادة إنتاج أبناء كورثة أوتوماتيكيين للإجرام المحلّي ومنحهم الفرصة لمضاعفة آثام آبائهم الأحياء منهم والأموات. وسمحت السلطة التنفيذية لطُغاة السنوات السياسية العجاف ال 33 بالحصول على امتيازات غريبة منها موازنة شهرية لرأس الطُغمة تقدّر ب “100” مليون ريال وتغطية كاملة لقصوره، وحراسة شخصية قوامها 4800 جندي وصف ضابط وضابط، وهذه الصرفيات تكفي لاستمرار تمويل شبكات الجريمة المنظمة التي كان يديرها؛ بل تمكّنه من إدارة عمليات متعدّدة الأغراض ومنها التهريب وتجارة الممنوعات وهلم جرّا من الأفعال الشنيعة كالاغتيالات المتكرّرة للجنود والضباط وإقلاق الطرقات وتفجير أنابيب النفط وضرب شبكات الكهرباء وخلق أزمة المشتقات النفطية عبر الآليات المتعارف عليها ومنها إخفاء المشتقات في المحطات المملوكة لأفراد الطُغمة والمنتشرة في أمانة العاصمة وفي كثير من المناطق جنوباً وشمالاً، شرقاً وغرباً، وتتصدّر هذا المشهد سهولة شراء الولاءات القبلية والعسكرية لحاجة هؤلاء إلى المال.!!.