وبين هاتين الحالتين السلوكيتين المتأتيتين من أفراد السلطات المحلية والسلطة المركزية في صنعاء برزت حالة خلط متعمدة حاولت تكريس ثقافة الكراهية ضد الرأسمالية التجارية وعمّالها ومنتسبي الأعمال الخدمية من أبناء تعز الكبرى “تعز + إب” الذين نشّطوا سوق العمل والتجارة والخدمات في المحافظات الجنوبية بعد أن كانت جثّة هامدة منذ 1969م وحتى يونيو 1990م. وهناك قوى خبيثة من منتسبي الأمن الوطني “جهاز مخابرات صنعاء قبل الوحدة” ومنتسبي الأمن القومي، حاولت تحميل سكان تعز تبعات السلوكيات المشينة لسلطة صنعاء العسقبلية بهدف إشعال الصراع الميداني بين سكان الجنوب وسكان تعز، وقد أفلح هؤلاء الخبثاء جزئياً بحيث تورّط بعض سكان المحافظات الجنوبية الذين وقعوا فرائس لهذين الجهازين في أعمال عنف ضد أبرياء أتوا من أجل تقديم الخدمات للناس، ولكن العلاقات الاجتماعية التاريخية ظلت هي الهادي إلى مستقبل أكثر عضوية بين سكان المنطقتين المتحدتين جغرافياً والأكثر قرباً اجتماعياً. وأن الاصطياد في المياه العكرة هو من متن وظائف وقيم هذين الجهازين اللذين عملا خلال فترة طويلة لاختلاق ذرائع لنشر ثقافة الكراهية تذود عنهما وعن الطغمة وشيوخ الإقطاع التقليدي ومنطقة التخلف الكلاسيكي تهمة اجتياح الجنوب ونهب كل شيء وقع بأيديهم ونقلوها إلى منطقتهم لبيعها والتصرّف بها في شراء القات واللحوم الحيوانية والبشرية.. لقد انتشرت بين قادة الطغمة وشيوخ الإقطاع التقليدي سلوكيات “اقتناء” الفتيات الصغيرات ولفترات قصيرة بعدها يتم تسريحهن إلى سوق “التسليع الجسدي” المقيت ذلكم بسبب الثراء المفاجئ لهؤلاء بالفقر المزمن منذ وجودهم في هذه المنطقة الجرداء.. واستطلاع ميداني سريع لأحياء صنعاء نكتشف مظاهر الثراء المفاجئ الذي تحوّل إلى نقمة بعد تمادي الطغمة وتحويلها المحافظات الجنوبية إلى مسرح للعنف، واستناداً إلى نتائج حرب 1994م والاجتياح والنهب و«التسليع» وإهانة الكرامة والتمييز انتفض سكان الجنوب ضد القمع والقهر لصيانة كرامتهم والذود عن هويتهم، قضيتهم السياسية العادلة والتي حاول ويحاول العديد من المتكسبين السياسيين تجاوزها بجمل سياسية جوفاء أو طمس معالم حضورها عبر الاحتيال والإفراغ. إن القضية الجنوبية السياسية تعمقت في هوية صادقة وقعت ضحية السذاجة الجنوبية والهمجية العسقبلية التقليدية الأكثر تخلّفاً، وهذه القضية السلمية المنتعشة بعد الاحساس بشمولية وفاشية المأساة جنحت نحو المعضلة، وهي فعلاً الآن في مرحلة المعضلة المعقدة حيث تصاعد فعل الممانعة والمقاومة منذ اتساع نطاق تكوينات الحراك السلمي الهادف إلى “استعادة” مكوّن الدولة بالصيغة المعاصرة المناهضة للشمولية والفاشية وهيمنة الفرد الواحد، الحزب الوحيد، وهذا المسار الصائب المستند إلى المرجعيات القانونية هو الذي خلع نقاب تجّار القضية الجنوبية الذين سارعوا إلى صحن التسويات لحصد الملايين من الريالات والمزيد من السيارات الفارهة، المدرعة والمزيد من العقارات وهو الذي عجّل بوتيرة سقوط السلطة العسقبلية وفجرها أولاً من داخلها وهو الذي وضع قسراً المحددات الأساسية للعملية السياسية في صنعاء وأجبر السلطات السياسية المتنازعة على الهيمنة لوضع صيغة الدولة الفدرالية/الاتحادية. إن هذه القضية التي تحاول جماعات العنف المصدّرة من صنعاء إلى الجنوب سرقة الأضواء عليها هي حامل رئيس لمستقبل دولة قانونية وهي الراسم الأساس لعلاقات دولتية رشيدة بل وهي التي ستضع الأسس للتسوية السياسية التاريخية.