وعند الحديث عن الاختراقات السياسية والأمنية، أي التأثير على سياسات الحزب الاشتراكي ومحاولة حرفها عن المسار الايجابي أو جرجرتها إلى ارتكاب الأخطاء والفجائع وأمنياً حماية الشبكات من الاكتشاف وجمع المعلومات عن جاهزية القوات المسلحة والأمن من الناحية التكتيكية والاستراتيجية، لابد من توخي الحذر والدقة حتى لايلحق الأذى بالآخرين والذين تستهدفهم المكايدات السياسية والدعايات السوداء وتصفية الحسابات الشخصية. والحقيقة التي لاجدال حولها هي أن أجهزة الأمن والسياسة في صنعاء لم تستطع اختراق المستوى الأعلى في الحزب الاشتراكي اليمني (العلني) الذي كان يقود السلطة في جمهورية اليمن الديمقراطية سابقاً وإن ادعاءات المهندس حيدر العطاس ضد بعض أبناء تعز الصغرى وفي المقدمة الأستاذ/راشد محمد ثابت محض افتراء وليس لها أساس من الصحة، وهذه الادعاءات الجوفاء قامت على خلافات سياسية – عملية بين العطاس وراشد بعد يناير 1986م وبعد تولي راشد وزارة الدولة لشئون الوحدة حيث أدار راشد اختصاصاته بجدارة واقتدار. وبهذا الصدد لابد أن يراجع العطاس موقفه لأن تاريخ راشد النضالي والسياسي يختلف إلى حد كبير عن التاريخ السياسي للعطاس، فبينما كان راشد محمد ثابت من طلائع الكفاح المسلح المتقدمة وضيف على زنزانات المعتقلات البريطانية في عدن كان العطاس طالباً باذخاً في اسكندرية مصر ولم يكن له مساهمة في حركة تحرير الجنوب سابقاً، ومن المستحيل أن تركع شخصية كراشد لأية أجهزة أمنية خارجية ما بالنا في الأجهزة الأمنية المتخلفة في صنعاء والتي يمقتها ويزدريها راشد المناضل العنيد. ومن الصائب القول: إن الاختراقات بدأت تأخذ طابعاً مكثفاً بعد التدفقات البشرية القادمة من مناطق خارج تعز الصغرى متسللة بين تلابيب أعضاء الجبهة الوطنية التي جمعت بين أعضاء حزبيين وبين أعضاء غير حزبيين بل ومنهم منتسبون إلى الجماعات القبلية وهؤلاء الأخيرون من السهولة بمكان اختراقهم لأسباب وجيهة ومن ثم لم يكن هناك فحص دقيق لملفاتهم الشخصية والعملية، وحتى الآن لم يحظ هذا الملف بالاهتمام لأن اختلاط الحابل بالنابل قد جرى في بحر 22سنة منصرمة، وهو ملف مقلق وغير ذي جدوى الخوض فيه تجنباً لأية مضاعفات شخصية أو سياسية ولكن ربما تبرز بعض أوراقه حينما يدور الحديث عن التيار الذي يبث ثقافة الكراهية لفك الارتباط الاجتماعي والسياسي بين تعز الصغرى وتعز الكبرى. وأدت الأزمة السياسية والعسكرية بين سلطة عدن وسلطة صنعاء إلى انقسام تعز الصغرى إلى قسمين نخبويين رئيسيين هما القسم الحداثي المتكئ آنذاك على الحالة العسكرية والأمنية (الكفاح المسلح ضد النظام الرجعي في صنعاء حينذاك) باستثناء شريحة التجار الكبار الذين وقعوا بين نار نظام صنعاء العسقبلي الباطش والذي كان يبتزهم ويهددهم بتلفيق تهم الموالاة لعدن وللشيوعية وبين نار اليسار المتطرف الذي أعلن الكفاح المسلح والذي أرغم العديد من عناصر النخبة المناهضين للعنف والعمل العسكري على الانتماء إلى الثالث وهم الأغلبية الصامته وهي الأكثر تضرراً من هذا التطرف والمحرومة منذ سبتمبر 1972م من التنقل بحرية من وإلى عدن، والقسم التقاليدي والمتكون من شيوخ الاقطاع والبيوت السياسية والتي تضم أغلبية من أعضاء الطابور الخامس الموالي للطغمة العسقبلية الفاشية الشمولية في صنعاء والتي كانت تغذي هذا الانقسام بنشر الشائعات المرعبة عن الاشتراكية والشيوعية ومعقلها الرئيس عدن.. وتضررت تعز الكبرى جراء هذا الانقسام وهذه الشائعات وتضرر نسيج العلاقات الاجتماعية في هذه المنطقة وليس هذا فحسب بل أن النخبة أو النخب أصابها وباء ذهني خطير وهو استمراء العبودية للطغمة العسقبلية حتى بعد إبادة العديد من الوجاهات التعزية أثناء أحداث الحجرية سنة 1978م والتي خطط لها ونفذها قائد لواء تعز آنذاك. ظل العديد من أبناء تعز تحت تأثير التضليل العسقبلي بأن عبدالله عبدالعالم هو الفاعل الأصلي حيث قام بعض الأفراد باستئجار أحد القتلة من مأرب لقنص عبدالرقيب القرشي في بوابة فندق صنعاء واغتياله بحضور حراسات مشددة تواطأت مع القاتل بناء على توجيهات عليا آنذاك. والمهم أن هذا الانقسام الذي لايقود إلى استخدام قواعد الاشتباك العنيف هو انقسام حميد يؤكد مدنية الخلافات التي تحل عن طريق الحوارات السلمية بين سكان تعز الصغرى والكبرى والناس الآن كلّ بحسب قدراته ومعرفته يقومون بتقويم ومراجعة مسيرة تعز الكبرى التي تظل بيئة خالقة وبنسبة كبيرة للسلوكيات الحميدة والمفيدة وقابلة للتغيير والمصالحة.