تذكّرني واقعة طريفة وقعت لشخص تورّط في الشرب ذات ليله حَتَّى ثمل في بيت صديق له بحال هَذِهِ البلاد.. فعِندما أراد العودة إلى منزله سريعاً بحكم تأخر الوقت ولم يجد غير “موتور” يوصله، صعد.. لاحظ سائق الموتور بأن الراكب “خارج نطاق التغطية” فقرّر خداعه بحيلة ذكية.. شغّل “الموتور” وداس على السرعة بقوة محدثاً صوتاً صاخباً من دون أن يحرّك العجلة حركة واحدة؛ ولإضفاء طابع الشرعية على حركته كان يحرّك المقود يميناً ويساراً.. بعد قليل أطفأ السائق الموتور وطلب من الثمل الترجّل ودفع مبلغاً كبيراً مقابل توصيلة وهمية..! شدّة ثمالة الراكب لم تنبهه إِلَى أنّ الموتور لم يتحرّك قيد أنملة، فترجّل من الموتور ورمى بمبلغ كبير للسائق وألحقها بلطمة.. غضب السائق وترجّل من موتوره بهدف رد اللطمة بلطمة، لكِنّ الثمل باغته بالقول: كن مرة ثانية امشي بسرعة يا بطيء!! هَذِهِ الواقعة هي نسخة كاريكاتورية لحال هذا البلد الذي يعتقد البعض أنّه يسير إِلَى هدفه، من دون أن يلاحظ أحد ما أنّه لا يتحرك قيد أنملة. فالظاهر أنّ البلد يمضى نحو المؤسساتية النابعة من اتفاقات ومجموعة توافقات، لكِنّ الباطن يشير إِلَى أنّها لا تتحرك نهائياً من نقطة إِلَى نقطة سوى في أوهام الراكب، وإنّما توحي بوسائل الشطارة إِلَى ما يؤكد حركتها من صوت الموتور. كل الأسس متوفرة وبكميات تجارية رخيصة.. لكِن ثمة شيء لم تدر عجلاته.. فقط مجرد إيحاء بحركة عجلة. *** صراع على متاهة قد تقذفنا الصراعات إلى متاهات والمتاهات تقودنا إلى أزقة معتمة لا تحيا فيها سوى العقارب والأفاعي، لكنّ ثمة نبضة حيّة تسري في الجسد لتضيء الدروب بالنور تتمثّل في الأمل! قد تنسف الحروب كل أمل لنا بقليل من الهواء والشمس والحرية.. قد تسحق كل حبة ذرة تصلح لأن تتجمّع في قطعة خبز.. لكن ثمة من يدرك ويعي أن الحروب ليست نهاية العالم بل نهاية المتحاربين. قد تغادرنا أبهى الكلمات “محبة، سلام، نور، حياة،” ومن وداع لكن ذلك لا يعني الاستعداد لتأبينها في حفل تحضره أحقر الكلمات لأن الكلمة مثل الهواء تلوّثها مؤقت وطهارتها مؤكدة بضمانة ربانية لا جدال حولها. ليس ثمة شيئاً أكثر ضماناً من الهواء النقي والحرية المصحوبة بالوعي والخبز المطعم بالسمسم، لكن موعد تأكيد ذلك الضمان مؤجل بقرار بشري .. وإلى أجل غير مسمّى! [email protected]