عند جوستاف لوبون الإحساس والعقل والعمل، ثلاثية ناظمة لثقافات الشعوب، فالشعوب تتباين عطفاً على علاقتها النسيجية بهذه الثلاثية، وهذه الشعوب بالذات تنخرط في حروب بينية متى ما اختلطت، وتنافرت في موقفها الوجودي من ثلاثية الشعور والعقل والعمل، ومن هنا تنشأ الحروب الحتمية بين تلك الشعوب. وفيما يتعلق بمفهوم الخلاسية الثقافية المقرونة بالتعايش والتطور، يرى لوبون أن هذه الخلاسية الحميدة لا تصل إليها الشعوب إلا بعد قرون من التزاوج والتناسل والتعايش الزمكاني المحدد، وإذا ما دخل عنصر غريب عليها بعد هذا التواشج المديد تنحل الأُمة، وهكذا ترتقي الأمم من خلال السيكولوجيا الجمعية القادمة من قرون التعايش والتزواج والتكاثر، لكنها قد تنْحلُّ فجأة، لنقع في مصيدة التاريخ، فقط بسبب اختراق عنصر أجنبي لجدار متانتها. إنها حالة مشابهة للجسم البشري المتين الذي ينهار بمجرد اختراق فيروس له !!. وبطبيعة الحال يتوقف لوبون ملياً أمام الأديان، ويرى فيها مرجعاً كبيراً لمزاج الأمم والشعوب، مُحيلاً جُل الحروب الكونية لطاقة الأديان في قدرتها على التعبئة، والإبحار بالفرد نحو المِثال الغائب ، وتجسيد الخصائص المحلية لنمط الحياة. مما لأجدال فيه أن ابن خلدون ينبري من وراء أسطر فيلسوف الاجتماع الفرنسي جوستاف لوبون، وخاصة في معرض مقارباته الخاصة بالدول وانهياراتها، وكيف أن مرحلة الازدهار المقرون بالأرستقراطية المالية المُنحلة تؤذن بانهيار تلك الدول، لكونها تخلَّت عن آلة الحرب، واسترخت في أحضان الترف الجَبري الذي لا مفر لها منه. [email protected]