واستناداً إلى واقع القوات المسلّحة التي كوّنت منذ 1978م والشروع في التخفّف منها للانطلاق نحو الأخذ باستراتيجية الإزاحة تدرجاً وصولاً إلى اتخاذ قرار بالاستغناء عن مئات الآلاف من منتسبي القوات المسلّحة العاطلين عن العمل والذكاء لمصلحة التنمية الاقتصادية، الثقافية وتنمية الذكاء والإبداع وتبنّي تنمية قوات نوعية كقوة الطيران الحربي والدفاع الجوي وقوة الأسطول البحري مقترنة بوظيفة محدّدة وجادة صارمة وأن قرار تشكيل لجنة معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين جرّاء حرب 1994م كان قراراً تسويفياً؛ إذ أن الطُغمة السابقة كانت قد أصدرت مجموعة من القرارات الإجرائية بشأن هذه القضية ولكنها كانت للاستهلاك السياسي الظرفي، وعوضاً عن هذه اللجنة كان بالإمكان قيام إدارة الموارد البشرية في وزارة الدفاع بمهمة تنظيمية كهذه باستخدام التصنيف من متن الكشوفات المتاحة والتي تبين: (1) الرتب المستحقة لمنتسبي القوات المسلّحة والأمن والاستخبارات منذ 1994 ومنحها دون تأخير وبصورة منصفة وعاجلة بوصفها استحقاقات لا تسقط بالتقادم. (2) صرف المستحقات المالية لهذه الرتب لمن يستحقها. (3) إعادة القوة الصالحة للعمل العسكري وتوزيعها وفقاً لعدالة التوزيع. (4) إقرار التقاعد للذين لا يصلحون للاستمرار في العمل العسكري. اللجنة التي تقوم بفحص الملفّات منذ صدور قرار تشكيلها لم تقدّم بحسب علمي سوى 700 اسم كمستحقين على الرغم من تعداد المظلومين الكثر وهم بعشرات الآلاف. والمهم أن تطوّرات متسارعة قد حدثت في هذا الملف واللجنة تراوح في مكانها السابق، وتظل محتويات الملف عالقة والاستقطابات بشتى أنواعها تعمل بوتيرة سريعة في اتجاه تعقيد العلاقة بين ذوي الاستحقاقات ومستحقاتهم المحبوسة في قرارات لجنة تستهلك ولا تقدّم منتوجاً مفيداً البتة. ومن ناحية أخرى فإن تفكيك، هيكلة، المناطق العسكرية الأربع السابقة «ضيع كبرى» إلى سبع مناطق عسكرية خلق عدم استقرار بنيوي لمكوّنات المناطق، ووقعت هذه المناطق فريسة لقيادات عسكرية مسابقة غير مؤهّلة لا نظرياً ولا ميدانياً، وبسبب هذا التفكيك أو التفتيت استطاعت هذه القيادات مواصلة هواياتها في تبديد الزمن وخلط الأوراق بين فعل الجماعات الإجرامية واستحقاقات الفترة الانتقالية. والتفكيك الذي قام على هُدى نظرية “بول بريمر” في بيئة العراق التي لا تشبه بيئة اليمن خلق فرصة أخرى للطغمة السابقة للعب دور البطل والمنقذ للبلاد من الفوضى التي خلقتها الانتفاضة الفاشلة، وبالتالي خلق سُلطة السطح التي تكتفي بضخ الأموال والمعدّات العسكرية إلى القادة المتربّصين وهم يقومون إما بتخزينها بمخازنهم في القرى وفي أرصدتهم إما في الاتجار بها داخلياً وخارجياً، وهذه الأموال ديون ونفقات على حساب إفقار 25 مليون نسمة وإسهاماً في تدمير فرص العمل من خلال هروب الشركات الاستثمارية من ميدان العمل وضخ المزيد من البطالة العبوة الناسفة التي تستخدمها قوى سياسية تقليدية الانتماء الاجتماعي والفكري في حقل الجريمة المنظمة وخلق سُلطة العمق لم تخسر غير كرسي الرئاسة ولكنها حافظت على بناها وأجهزتها وامتيازاتها من الإيرادات العامة، إضافة إلى الاستمرار في تنمية استثماراتها في الداخل والخارج وهي التي تمكّنها من تمويل الأعمال التخريبية الارتدادية المنطوية على الانتقام والميول إلى العودة المظفرة للعنوان الرئيسي للسلطة “رئاسة السُلطة كعصابة”. وإن التفكيك صبّ في مصلحة الطُغمة العسقبلية الفاشية التي انتقلت من السطح إلى العمق وأحدثت الفراغ أولاً لإدارة الفوضى العارمة، ثانياً لقوى أخرى استعدّت لتقدّم نفسها كبديل وسط وعي استسلامي يبحث عن منقذ حتى ولو كان ذلك المنقذ ساكناً المقابر العتيقة..!!. ومن نافل القول التأكيد أن المنطقة القبلية العاطلة عن العمل والمتعسكرة منذ قرون قديمة استنفرت قبائلياً تحت ذريعة تسرُّب السُلطة الرسمية من الطُغمة الفاشية إلى مشرب آخر غير مرغوب فيه.