لا أعتقد أن لحبر قلمي أهمية أو جدوى ما لم يشعر بوجع كل من يتعرّف على أوجاعهم وينقلها إليكم، فلربما وجدت أذناً صاغية وذكّرت من يهمهم الأمر، فالذكرى تنفع المسؤولين كما تنفع المؤمنين، قد لا أكون من المناطق التي مررتُ بها ولا تجمعني بهم صلة قرابة؛ لكن يجمعني بهم وطن. يغمرني الوجع حتى منتهاه عندما أزور مناطق اليمن الريفية البعيدة عن الخدمات، تذوب أمامي كل المعطيات التي يقدّمها من يبرّرون عدم وصول الخدمات إلى المناطق الريفية. زرت منطقة «حِلية» وهي عزلة من عزل شرعب الرونة، استمر السفر إلى هناك أكثر من ثلاث ساعات، لم نكن نجد دليلاً بين قرية وأخرى إلا اللوحات التعريفية للصندوق الاجتماعي للتنمية بالمشاريع التي ينفّذها هناك، زرت المنطقة مع فريق عمل بوصفي ممثّلة للصندوق الاجتماعي للتنمية لتنفيذ مشروع «3× 6» لتمكين الشباب اقتصادياً، يهدف المشروع إلى خلق فرص عمل مستدامة للشباب، وتتشارك فيه أكثر من جهة منها الصندوق الاجتماعي للتنمية ومنظمة "أسبارك الهولندية" وبدعم البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP. ولنصل إلى هناك كان يجب علينا أن نربط على قلوبنا من الخوف الذي بثّته فينا تلك الطريق المؤدّية إلى المنطقة، ما الذي يمكن أن يشعر به أحدكم وهو يتوقّف بالسيارة لوعورة الطريق كأنه معلّق في الهواء وتحته هاوية يمكن أن يقع فيها بأية لحظة..؟!. شعور صعب وصفه وأنت تمرُّ في لحظات عصيبة ليوم واحد؛ بينما يمر به أهالي المنطقة كل يوم، لماذا لا يرفع أهالي هذه المنطقة أصواتهم لتصل إلى المجلس المحلي الذي يمثّلهم، لماذا لا تصل أصواتهم إلى محافظ المحافظة الأستاذ شوقي هائل، لماذا لا تصل أصواتهم إلى القطاع الخاص، لماذا لا تتشارك أكثر من جهة لتصل إلى أهالي هذه المنطقة خدمة الطريق الممهد..؟!. من حقّهم أن تُرصف لهم طريق تليق بإنسانيتهم، فطريقهم التي تمر بها السيارة منها محفورة على الصخور، ومنها ممتدة عبر سائلة؛ إذا صادف السيل سيارة يمكن أن يأخذها في طريقه كما حدث ذلك من قبل في شرعب الرونة. إلى كل الجهات التي يمكنها أن تدعم هذه المنطقة؛ إن كنتم تريدون جيلاً يصل إليه الكتاب المدرسي والمقعد الذي يليق بأولادكم في المدرسة والتحصين الذي يحصل عليه فلذات أكبادكم والرعاية الصحية التي تحصل عليها نساؤكم و... إلخ، فانظروا إلى هذه المنطقة بعين المسؤولية، فهي إحدى مناطق اليمن؛ تحتاج أولاً إلى رصف طريق من خلالها يمكن أن تصل إليها بقية الخدمات. الطالب الذي يفترش الأرض هناك كان يمكن أن يكون ولدكم لولا تغيُّر الظروف، فقربكم من المدينة ساعد أولادكم في الحصول على تعليم أفضل، فالشاب الذي يبحث عن عمل ويضطر إلى أن يدخل مهرّباً إلا المملكة العربية السعودية؛ كان يمكن أن يكون ولدكم لولا تغيُّر الظروف وحصول أولادكم على شهادة مكّنته من الحصول على فرصة عمل أفضل، وهكذا قيسوا على ذلك. نهاية أشكر كل جهة حكومية أو غير حكومية تتلمّس بمشاريعها الفئات الفقيرة والأقل فقراً لتأخذ بأيديهم إلى سبل الحياة بتمكُّن واقتدار وتشعر بإنسانيتهم، أشكر اليد التي تعمل من أجل البناء ومن أجل اليمن، وأتمنّى أن يحصل أطفال هذه المنطقة على الكتاب المدرسي والمقعد اللائق، وأن يصل إليهم الدواء والغذاء كبقية أطفال اليمن. [email protected]