قد لا تدرك أهمية الحذاء، وليس من الضروري لتدرك ذلك أن تصبح فلاحاً فقيراً يطل على الحذاء من سوق السيّاب، حيث لا شيء غير: الشمس.. والحمر الهزيلة، والذباب. وحذاء جنديٍ قديم يتداول الأيدي.. وفلاحٌ يحدِّقُ في الفراغ: “في مطلع العام الجديد، يداي تمتلئان حتماً بالنقود، وسأشتري هذا الحذاء”. يكفي فقط أن تقترب من مجتمعك لتدرك أن للحذاء قيمه وأبعاده الرمزية والثقافية الحاضرة بشكل فاعل في مختلف الثقافات، فمن مهامه الشعبية أنه تميمة ناجحة لدفع العيون الحاسدة عن الأشياء المميّزة، ومن خصائصه أن خلعه في دورات المياه يجلب الأرواح الشريرة، وانتعاله في المقابر يقلق سكينة الموتى. على الصعيد الأدبي تحتشد الأحذية في الأمثال، كما تحتفي بها الحكم والتشبيهات، وتتسع بها اللغة لتستوعب كثيراً من الخلق في مقامات الهمز واللمز والكناية. للأحذية أيضاً معادلاتها في تأويل النصوص، فهي رمز للأشياء والقيم الدونية البسيطة، الروح والجسد مجرّد نعلين يجب خلعهما في حضرة التجلّي الإلهي، كما يقول “النفري” في تفسير الآية (واخلع نعليك إنك في الوادي المقدس طوي). أما في الأحلام فللأحذية دورها في تأويل الأحاديث ورؤى النائمين، فتؤول الأحذية بالعامة والسوقيين، هكذا فسّر أحدهم رؤيا الذي رأى فيما يراه النائم أن الشمس انطفأت والدنيا أظلمت، ورفع الناس أحذيتهم يستضيئون بها، أوّله بسقوط الحاكم واستيلاء الرعاع والغوغاء على مقاليد الأمور. وكل حذاء مكيّف لما لبس له، فأحذية التسلُّق تختلف عن أحذية التزلُّج المسطّحة، أو ذات العجلات، ولدورات المياه أحذيتها المختلفة عن أحذية العمل الطويلة التي تشبه خريطة إيطاليا، ولا نحتاج إلى إسكافي «خرّاز» ليسرد لنا أنواع وأشكال ومهام الأحذية بين ذوات الكعب العالي والبيادات، وإن كان من الحكمة أن نتقبّل إرشاداته بشأن أحذيتنا، وحدث أن فناناً تشكيلياً كبيراً تقبل ملاحظات إسكافي قام بإبداء ملاحظات عن حذاء الشخصية المرسومة، لكن الإسكافي تمادى فقام بإبداء ملاحظات فضولية حول شعر الشخصية، وهنا رفع الفنان في وجهه نقطة نظام، فقد أدلى بدلوه في مجال كان المقبول أن يدلي فيه الحلاق. درسٌ بليغ آخر من فنانٍ تشكيلي آخر لغواة الفضول الذي يؤرّق كثيراً من الخرّازين ورجال الإعلام؛ على أن البعض يرى أن العلاقة بين الخرّاز والصحافي أكثر من مجرد هوس الفضول؛ فكلاهما يلمّع الأحذية بطريقته..!!. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر