هي 4 أعوام من استنفار عواطف البُغض والحب, والحزن والفرح, واستنفار التفكير وكد الذهن في استيعاب أطنان من الأحداث والمفاجآت والتطوّرات ومواقف منها ما يُدهشك ومنها ما يُضحكك سرورًا ومنها ما يُضحكك بكاءً ومنها ما يبكيك ومنها ما يتركك كما قال الأخطل الصغير «بشارة الخوري» بصوت فيروز: «يبكي ويضحك لا حزنًا ولا فرحًا» ومنها ما يتركك بليدًا غير قادر على الفهم كأنك أمام طلسم من طلاسم أسطورة صينية مكتوبة بلغة مندثرة أعجزت علماء النقوش والآثار عن فك شفراتها. 4 أعوام اختتمت بعامنا المنصرم 2014م؛ كنّا فيه قد عشنا حروبًا ومآسي اكتوى بنارها كثيرون بين نازح وجريح ومكلوم بفقد قريب أو صديق، سكت ما يزيد عن 12 ألف روح يمينة ما بين قتيل في مواجهات مسلّحة أو في حرب أخرى غير معلنة هي حوادث الطرقات، زحفت المقابر إلى كثير من الأراضي وحاصرت كثيرًا من التجمُّعات السكانية؛ وأصبحنا أمام مسؤولية وضع استراتيجيات لإنشاء مقابر عملاقة لكل محافظة حتى نحفظ كرامة الإنسان ميّتًا إن لم نحفظها وهو حي..!!. تقفز اليوم إلى الواجهة ظاهرة السطو على المقابر ونبش القبور للبناء مكانها, أو نقل رفات ميّت قديم لإحلال وافدٍ جديد مكانه، وبالمناسبة فقد كان تصريح مسؤولو إحدى المحافظات بأنهم يفكّرون في إنشاء مقبرة بتخطيط هندسي حديث, كان هذا قد أثار سُخرية بعض من سمع بالخبر؛ لكن أين الغرابة في ذلك ونحن في زمن متخم بمشاريع الموت..؟!، لا يجتمع عسران في وقت واحد؛ إذا صعب على إنسان اليوم أن يجد الأمن والاستقرار والمستقبل فوق الأرض؛ فمن حقّه أن يحصل عليه تحتها. في أعوامنا الأربعة الأخيرة ظلّت تجتاحنا موجات من جفاف القيم، تتهاوى كثير من الديكورات وتسقط كثير من أوراق التوت ويتعرّى كثيرون. صحيح أن الوطن خسر مليارات الدولارات جرّاء تخريب أبراج الكهرباء وتفجير أنابيب النفط وتسرُّب المال من الخزينة العامة في أيدي عصابات الفساد؛ لا يستطيع اكتشافها من يتولّون الحقائب الوزارية، وخسرنا مثلها في الإنفاق على السلاح والذخائر؛ لكننا خسرنا أنفسنا ونحن نخسر رأسمالنا الحقيقي, أقصد أخلاقنا وآداب الخصومة التي يقرّها فقه الاختلاف وأعرافنا الإيجابية والشرائع الدولية. جاء عام 2014م ليكون عام الحوار والحلول, وأنفق الوطن كثيرًا على هذا الجانب, وأسرف الناس في الأحلام, وما أشرف هذا العام على الانتهاء إلا ونحن نرى الحوار وقبّة موفنبيك من ذكريات الزمن الجميل, ثم جاء اتفاق السلم والشراكة ليأخذ بأيدينا إلى المستقبل بعد أن أظلمت الدنيا في أعيننا؛ ولكن أصبح هذا الاتفاق هو الآخر يتهيّأ لأن يكون أيضًا من ذكريات الزمن الجميل، ولا ندري الآن إلى أين نحن سائرون..؟!. فهل بالإمكان أن نجعل من عامنا الجديد 2015م مساحة لالتقاط الأنفاس وإعادة تموضعنا الصحيح داخل أنفسنا؛ لنجعله عامًا للمحبّة والوئام والسلام والتصالح وحقن الدماء وتناسي الماضي وتنقية القلوب من الأحقاد الدفينة, والتكاتف لإعادة هيبة الدولة, فكل هذا وغيره بالإمكان إذا نحن أخلصنا النوايا, ولا تقولوا: «ليس بالإمكان أبدع مما كان» فلا يمكن أن نتخلّى عن الأمل؛ حيث إن هذا الأمل لايزال جزءًا من الروح الذي يعيش به الإنسان اليمني اليوم. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر