«يهناكِ» يا حضرموت على هذا الطراز الاستثنائي من الرجال.. الرجال الكبار الذين لا يمكن تكرارهم بسهولة، خصوصاً ونحن في زمن الأقزام والمكائد.. زمن التصدعات الوطنية والذين يتهافتون على الفتات. ففي كل هذه المعمعة، أثبت رئيس الوزراء المستقيل خالد محفوظ بحاح موقفاً صلباً، كما اكتشفنا فيه سمواً وطنياً عالياً ومسؤولية فذة لن ينساها التاريخ، رافضاً للمساومة ومؤكداً أنه رجل دولة. فقط اقرأوا معي دعوته الشفافة الطازجة لقراءة التاريخ.. وبالتأكيد كل التقدير لروح هذا الرجل اليمني الكثير الذي فاجأ الجميع بتماسكه وعدم انجرافه وراء الصغائر، الرجل الذي كان يأمل - وبنبالة حقيقية - العبور باليمن إلى مستقبل مفعم بالخلاص. دعوة لقراءة التاريخ هذا الوطن خاضت على ترابه العديد من القوى السياسية حروباً لأجل السلطة ودخل البعض الآخر صراعات إيديولوجية ومناطقية، ووصل الحال إلى الصراعات الطائفية.. كل ذلك يجعلنا نقف متأملين بل ومتسائلين بعلامات استفهام كبرى نضعها دوماً نصب أعيننا.. فماذا عنك يا وطني عندما كانت أحلامك رهينة مشاريع صغيرة؟ وماذا عنك عندما أُدرت مشاريعك الكبيرة بأدوات ضعيفة وبالدواعي المناطقية والإيديولوجية؟ ألا تستحق الخمسون عاماً التي انقضت بكل تفاصيلها الوطنية والقومية إلى وقفة تأمل جادة؟ ألا ننظر إلى إقليمنا وعروبتنا بنظرية الاندماج الذي من الممكن أن يطبق؟ وبالمقابل أيضاً هل نستفيد مما يجري في ذلك المحيط وفي تلك العروبة؟ هل لنا أن ننظر إلى قارتنا الآسيوية وجارتنا الإفريقية بتمعن وهي التي تجاوزتنا بالبناء والتقدم؟ ألا يستحق أبناؤنا أن يفخروا بوطنهم داخلياً وخارجياً؟ ألا يجب أن نعيد إلى مغتربينا ومهاجرينا أمل العودة إلى الوطن؟ هل لنا أن نؤسس لخمسين عاماً قادمة من التعايش والبناء؟ ألا نتعلم من التاريخ القريب؟ هل يعرفون التعايش الجمعي البنّاء؟ بكل حرقة هل لنا أن نعيد حساباتنا ونحمل قضايانا بعيداً عن لغة العنف؟ هل لنا حقاً أن نتحد ونعيد للوحدة اعتبارها الحقيقي شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بعيداً عن التسلط والتكبر؟ ماذا عن الحوار الوطني؟ وماذا عن مسودة الدستور؟ وماذا عن سيادة القانون؟ بل وماذا عن حلم الدولة المدنية الاتحادية؟ هل لنا أن نعود إلى الوراء قليلاً ونعرف بأن اتفاقية الحوار الوطني ومسودة الدستور الشامل كانت طوعية وما وُقّع بعدها هو بمنطق القوة؟ وهل لنا أيضاً أن نعيد قراءة الهدف الأول لثورة 26 سبتمبر؟ متى يعي المغامرون والمقامرون بأن الوطن أكبر من مشاريعهم الصغيرة «الكبيرة في نظرهم»؟ متى يعود الطفل المتمنطق بالسلاح إلى بيته وإلى مدرسته؟ بل ومتى سيعود سلاح الدولة للدولة؟ هل لنا أن نعالج أنفسنا من أمراض نظرية المؤامرة؟ هل ندرك بأن الشعب يفهم مصطلحات دغدغة العواطف وهو أكبر مما يتصور البعض؟ ماذا عن جهاد المسلمين للمسلمين؟ ماذا عن غنائمهم؟ وماذا أيضاً عن شريعة الغاب التي يسعى البعض إلى تكريسها؟... هل يعي الجميع تداعيات ذلك؟ كما هي دعوة لقراءة التاريخ هي دعوة للحفاظ على اللحمة الاجتماعية، وهي دعوة ضد الثقافة الطائفية والمناطقية والحزبية، وهي دعوة لبناء الوطن وليس لخرابه. الكثير من الأسئلة يمكن كتابتها، ولكن أكتفي بذلك فمن يقرأ التاريخ ليس ليعود إلى الماضي ولكن ليستشرف المستقبل. فماذا عن مستقبلك يا موطني؟ [email protected]