كلما قلنا ستنجلي, زادت غيّمت.. وكلما قلنا سنسعد زادتنا الأيام وخزاً وجراحاً.. كلما قلنا سننسى حظنا الواجف وسعت الأحزان فينا مساحات الأنين.. وكلما قلنا سنكفر بالمآقي بَنّتْ لنا الأوهام في دمائنا ألف ثكنة ومعبد.. نكباتنا تبدأ ولا تنتهي, تشرع في مد أهدابها ومن ثم تتحول الأهداب إلى مخالب, تخلّف وراءها جمهوراً غفيراً من الضحايا المنهكين.. بأرواح عارية تجلدها سياط الغبن والقهر العظيم.. البؤس اللعين يُزهر وانتكاساتنا تتوالى ولا نقوى على مكابدتها حتى وإن أخذناها غلابا. عيبنا أننا جئنا في زمن حزين, طرقاتنا أوكار مشرعة على الجراح.. آتية من سنين الوجع المُر، فما عدنا نسمع صوت طفل إلا يبكي.. ولا صرخة إلا تعوي.. ولا نداء إلا ويغتاله الأسى.. ولا حلماً إلا يتكسر, وأمنية تتناثر ولا ذات تعلو على ذات الأنين. هناك من حرّها شعب أضاعته الكراسي, وأي شعب أضاعوا!.. أنهكتنا المواجع ,, نهاراتنا موطن للخوف, سماؤنا مرتع للرصاص وليلنا مسكون بالفواجع,, هجرتنا نوارس السلام واحتلتنا قطعان المتاريس ومشاريع القتل والتلذذ بدماء المقهورين. فعجباً لوطن يُعدُ فيه الحلم ارتداداً عن شريعة الظلام ويستحق الوأد والمقصلة ..وطن انتهكته الرزايا واغتالته الولاءات الزائفة.. مشغول بحياكة العنف وصناعة فخاخ التعصب وإنتاج العداوات والخطايا.. براويزه قهر, حدوده جور, حوافه نحيب, اقاصيه عويل، لا يقاس فيه الولاء إلا طبقاً لتكايا السلاطين وعجرفة الجبارين والقرابين المقدسة وفوهات البنادق، كينونتنا فيه مخاطرة محفوفة بالأحزمة النازفة. فعجباً لوطن أعمارنا فيه أزمة خانقة محفوفة بضبابية معتمة، وطن جدبت فيه كل ممكنات الحياة وجُيرت لحسابات الفناء .كان لنا فيما سبق نبض يدلنا علينا وكيف نواري تحته الأحزان والانكسارات.. لا نريد أن نكون بقايا كائنات تنثرنا الأحقاد على قارعة النحيب، وطني هامة ومعنى وراية من شموخ, ولا نريد أن ننكس فيك شموخك من أجل عمامة أو ثوب أو متاريس، وعجباً لوطن لم يعد فيه الموت مؤلماً بقدر ألم الحياة بوجود جمهور غفير يخلو من الطموح والأمنيات البيضاء, ووجود صراع يتساوى فيه الجاني والمجني عليه بعد أن تحولت حياتنا إلى إبحار ضد التيار ولم نعد نفهم طبيعة هذا البحر الغادر. صُدرت أحلامنا بوطن ننفذ منه لغد أفضل, بوطن نرتقي فيه لمرتبة (إنسان), صُدرت أمانينا بوطن يصدح فيه السلم بدلاً من أزيز الرصاص.. صُدرت أمانينا ببلد تسيّرها العدالة بدلاً من حراب القتلة، صُدرت أمانينا بوطن نحيا فيه بكرامة ونموت فيه بكرامة.. نحن لا نريد سوى وطن يصلح لقليل من الطمأنينة لكل أرواحنا المنهكة..فهل تنهيدات الطيبين على كل غصص يتجرعونها كفيلة بأن تدك عقال الصبر والانتظار المقيت دكا؟. [email protected]