لعقود خلت من عمر هذا الوطن المنكوب لم يكن بالنسبة للاعبين السياسيين سوى وطن للفيد والمصالح المتجاذبة بين أطراف السياسة، سواء حزبية، أو جهوية، أو مشيخية، وغير ذلك من القوى التي شاركت في عمليات انهياره وجعله خارج نطاق النماء والبناء حتى اللحظة. المؤلم جداً هو أن نظرية الفيد هذه كانت متوارثة تنتقل كالداء العضال من جيل إلى جيل وكأنها سراط مستقيم لا يجوز أن نتجاوزه أو نعدّله ولو حتى قليلاً لما يضمن لليمن أن ينتقل إلى مرحلة جديدة ليس فيها فيد لصالح أفراد أو أحزاب أو وجاهات أو غير ذلك، إنما أضيف إلى مجلدات الفيد أضرحة النعوش وأشلاء الأبرياء وجماجم المنهكين والكادحين. نعم إلى الآن لم نعرف من تاريخ هذا البلد المنهوب سوى أنه وطن للفيد والنعوش.. ولا ندري أي قدر هذا السيء على بلادنا كي تكون نظرية الفيد متوارثة لكل من شارك في العملية السياسية والسلطة؛ فيد العقليات المتجبّرة والبطون التي لا تشبع نهباً لمقدراته جعلته نائياً من كل وسائل التحضّر الانساني والحياتي جعلته وطناً راكداً يحتل المراتب الأخيرة، اقتصادياً، وعمرانياً، وحياتياً أيضاً. نعم إنها الخلاصة في واقع بلد جعله أصحاب التكايا مرتعاً لأطماعهم، والآن وبعد أن اشتدت حلقة الموت على البلد بسبب دموية المشهد السياسي في الوضع الراهن والذي صار محاطاً بسلاسل الاغتيالات والتفجيرات وتصفية الحسابات تحوّل الواقع اليمني إلى نعوش لليمنيين من كل أطيافهم ومشاربهم، نعوش تتراكم بعضها فوق بعض وأدخنة وحمم من الفتنة والتمزّق جعلت مستقبل بلدنا يقف على فوهة بركان. بكل أسى نقولها: لم نستطع أن نبني وطناً بكل معنى الولاء، والسبب هو تخبّط الجميع حول دائرة الموت والثأرات، وانقضاض البعض على ما يحصل عليه من فيد من جسد الوطن. لم نستطع أن نبني دولة بسبب أسلوب الفيد الذي تحول إلى اسلوب وطن يائس وأسلوب شخوص لم يكن لهم المنصب سوى غاية وفيد ليس إلا.. لم نستطع أن نبني اليمن الجديد، والسبب هو أنه ليس لنا حاضر مشرّف بل وطن كله فيد وكلّه نعوش وقهر وموت. ماذا بقي أن نقول وقد جفت الكلمات من محابرها ألماً ونزفاً، وصار المرار مذاق الحروف.. ماذا نقول وياحسرتنا على وطن لم يعد إلا وطناً للفيد والنعوش لك الله أيها الوطن الجريح. [email protected]