وإن كانت السياسة فن الممكن إلا أن الكثير من السياسيين يقعون في هفوات ويرتكبون أخطاء تقود ليس إلى انهيار كياناتهم السياسية وحسب وإنما إلى تدمير بلدانهم أيضاً وإدخالها في صراعات لا نهاية لها.. لو أدرك السياسيون كيف أن السياسة هي فن الممكن لتراجعوا عن كثير من قراراتهم، ولعرفوا أن ما سيكسبونه في السياسة يفوق أكثر بكثير مما يكسبونه في الحرب.. ونحن عندما نقول إن السياسة فن الممكن فذلك يعني أن السياسي يرى ما لا يراه القائد العسكري وينظر لأي قضية من كل الاتجاهات وتداعياتها حاضراً ومستقبلاً.. أما إن فقد السياسي رؤيته وقراءته الموضوعية للواقع من حوله وأسقط كل أدوات السياسة من حوار وفطنة وكياسة وإدارة وتعامل مع الآخر المختلف معه، واختار بديلاً عنها القوة والعنف والترهيب فإنه يكون قد بدأ في التراجع وانحسار شعبيته وإن بدا له عكس ذلك.. وأي طرف سياسي له أنصار ومعارضون..، كما لا تستقيم الحياة السياسية في أي بلد إلا في ظل التوازن القائم بين الطرفين للحفاظ على الثوابت وعدم الانجرار نحو مربع العنف والفوضى، وهنا تتكشف قدرة السياسي الذي يستطيع ان يجمع حوله كلا الطرفين وبما يخدم المصالح الوطنية العليا.. وان اختل هذا التوازن اختلت الحياة السياسية وتحولت إلى فوضى وعنف واقتتال وصراع على السلطة بعيداً عن الأطر الشرعية والدستورية.. في الحالة اليمنية إذا ما توقفنا أمام الأحداث الحاصلة سنجد أن السياسة لم تعد فن الممكن بقدر ما تحولت إلى سياسة الأمر الواقع، وأصبح دور السياسي يقتصر على التأجيج والتأزيم بما يخدم توجهات ومصالح كيانه السياسي.. وهنا نجد أن أهم أسباب بقاء الأزمة واستمرارها وتشعبها وتعقيداتها يعود إلى غياب الرؤية السياسية الوطنية الشاملة لبعض المكونات الحزبية والتي تصر على فرض مواقفها وتنفيذ أجندتها بالقوة، بل وتذهب في اتجاه التهديد والوعيد للأطراف الرافضة لمواقفها وفرض سياسة الأمر الواقع التي تتعارض مع طبيعة المرحلة أولاً، والقيم والمبادئ الديمقراطية ثانياً.. ويمكن القول هنا إن مصالح الشعب والوطن لم تعد في أجندة السياسي وحلت محلها المصالح الحزبية والمناطقية والقبلية والمذهبية.. ولا شك بأن استمرار بعض الأطراف السياسية في أخطائها وانتهاج لغة التحدي في التعاطي مع مجمل القضايا الوطنية ومع الآخر المختلف، بعيداً عن لغة الحوار والتفاهم سيقود اليمن واليمنيين إلى أتون صراعات لن تختلف كثيراً عما يجري في ليبيا وسوريا والعراق.. كما أن المستفيد الوحيد من بقاء الأزمة ومن تفجير صراعات بين اليمنيين هو تنظيم القاعدة وخلاياه الإرهابية الذين تمكنوا من السيطرة على بعض المناطق اليمنية ويسعون لتعزيز تواجدهم في أكثر من منطقة ومكان، وظهورهم الملفت في حضرموت وشبوة ومأرب دليل على مدى الخطورة التي يمثلها تنظيم القاعدة وعناصره الإرهابية ليس على اليمن وحسب وإنما على المنطقة برمتها!.. فمتى يترك السياسيون لغة التحدي ويتعاملون مع ما يحدث بعقلانية وحذر ومسؤولية تجنب اليمن واليمنيين ويلات الحرب والدمار!؟.