هل فقدت مليشيا الحوثي بصيرتها؟!    ماهي إنجازات الانتقالي؟    دفعة رابعة من القادة تجتاز برنامجا تأهيليا بالقوات الجنوبية    لمحافظ شبوة ومساعديه.. احترموا أنفسكم بعد أن سقط احترام الناس لكم    الحوثيون يوقفون عشرات الأطباء والعاملين الصحيين في صنعاء تمهيدًا لفصلهم من وظائفهم    ثغرات فاضحة في بيان جماعة الحوثي بشأن "شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية".. وأخطر ما رد فيه!    صلاح ينقذ منتخب مصر من الهزيمة أمام غينيا بيساو في التصفيات الإفريقية لمونديال 2026    حكم التضحية بالأضحية عن الميت وفق التشريع الإسلامي    إتلاف كميات هائلة من الأدوية الممنوعة والمهربة في محافظة المهرة    رومانو: تشيزني على ابواب الدوري السعودي    تشيلسي مهتم بضم الفاريز    ساني متحمس لبدء يورو 2024    إعلان مفاجئ من بنك الكريمي بعد قرار البنك المركزي بعدن وقف التعامل معه!!    "الحوثيون يفقدون البوصلة واصيبوا بالتخبط"...الكشف عن عجز حوثي عن مواجهة قرارات البنك المركزي بعدن    مجلس الأمن يتبنى مشروع قرار يدعم مقترح بايدن لوقف إطلاق النار بغزة    الحكومة تندد باستمرار التدمير الحوثي الممنهج للقطاع الصحي    "صنعاء على صفيح ساخن.. الرعب يسيطر على المليشيا الحوثية و حملة اعتقالات واسعة"    تعز التي لم تفرط بواجبها    لجنة متابعة قضايا أبناء أبين تصدر بلاغًا بشأن فتح طريق ثرة    لماذا لن تحقق صفقة إسرائيلية-سعودية السلام في الشرق الأوسط    إغلاق مستشفى حريب العام بمارب بسبب الإضراب عن العمل بسبب تأخر الرواتب    أكبر عملية سطو في تاريخ الأدوية اليمنية: الحوثيون يسيطرون على مصانع حيوية    ادارة الموارد البشرية بكاك بنك تدشن دورة تقيم الاداء الوظيفي لمدراء الادارات ورؤساء الاقسام بالبنك    بوتين يهدد بنقل حرب أوكرانيا إلى البحر الأحمر    غرق وفقدان عشرات المهاجرين الأفارقة قبالة شواطئ شبوة    السلطات السعودية تكشف عن أكبر التحديات التي تواجهها في موسم الحج هذا العام.. وتوجه دعوة مهمة للحجاج    "الأونروا": الدمار الذي شهدته غزة لا يوصف وإعادة الإعمار يحتاج 20 عاما    مليشيا الحوثي تسطو على منزل مواطن وتطرد النساء والأطفال وتنهب محتوياته    النفط يرتفع وسط توقعات بزيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    آخر ظهور للفنان محمد عبده عقب تلقيه علاج السرطان .. شاهد كيف أصبح؟ (فيديو)    ألكاراز يحتفل بلقب رولان جاروس بطريقة مثيرة    رونالدو يحتكر الأرقام القياسية في اليورو    سينر يرتقي لصدارة التصنيف العالمي.. وديوكوفيتش يتراجع    لأول مرة منذ 2015.. طيران اليمنية يعلن استئناف رحلاته لوجهة جديدة اعتبارا من هذا الموعد    الحوثيون يمنحون مشرفين درجة الماجستير برسالة واحدة مسروقة وتم مناقشتهما(أسماء)    دعوة لمقاطعة مبخوت بن ماضي    العطش وانعدام الماء والكهرباء في عاصمة شبوة يصيب مواطن بجلطة دماغية    فضل الذكر والتكبير في العشر الأوائل من ذي الحجة: دعوة لإحياء سُنة نبوية    مانشستر يونايتد يسعى لتعزيز هجومه بضم المغربي يوسف النصيري    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات شهر مايو للقطاعين المدني والعسكري والمتقاعدين    ارتفاع في تسعيرة مادة الغاز المنزلي بشكل مفاجئ في عدن    جرة قلم: قمة الأخلاق 18    خلال تدشين الخدمة المدنية للمجموعة الثانية من أدلة الخدمات ل 15 وحدة خدمة عامة    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    تدشين مخيم مجاني للعيون بمديرية العدين في إب    افتتاح معمل وطاولة التشريح التعليمية ثلاثية الأبعاد في الجامعة اليمنية    الرواية الحوثية بشأن حادث انهيار مبنى في جامع قبة المهدي بصنعاء و(أسماء الضحايا)    "هوشليه" افتحوا الطرقات!!!    عالم آثار مصري شهير يطالب بإغلاق متحف إنجليزي    منظمة الصحة العالمية تدعو للاستعداد لاحتمال تفشي وباء جديد    في الذكرى الثالثة لوفاته.. عن العلامة القاضي العمراني وجهوده والوفاء لمنهجه    السيد القائد : النظام السعودي يتاجر بفريضة الحج    أحب الأيام الى الله    النفحات والسنن في يوم عرفة: دلالات وأفضل الأعمال    ما حد يبادل ابنه بجنّي    بعد أشهر قليلة من زواجهما ...جريمة بشعة مقتل شابة على يد زوجها في تعز (صورة)    الحسناء المصرية بشرى تتغزل باليمن و بالشاي العدني    أطباء بلا حدود: 63 ألف حالة إصابة بالكوليرا والاسهالات المائية في اليمن منذ مطلع العام الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة.. نقاش في المفهوم والمنهج
نشر في الجمهورية يوم 14 - 03 - 2015

مثلت الثورات ظاهرة إنسانية اجتماعية، عرفتها البشرية منذ ما قبل التاريخ، وتعد ثورة (أوتوحيجال)، التي قام بها (السومريون) في حوالي منتصف الألف الخامس قبل الميلاد بجنوب (العراق القديم)، أول ثورة تحررية في العالم.. وتعبر الثورات عن أهم الظواهر الاجتماعية، لأنها ترتبط بجوانب حياة الإنسان كلها..
وتستمد الثورات أهميتها من اتساع مداها وعمق محتواها وشموليتها لأغلب طبقات وفئات المجتمع.. لذلك كانت الثورات التي أفضت إلى تغييرات سياسية واجتماعية واضحة هي الأوفر شهرة والأكثر تداولاً بين المؤرخين وغيرهم من المثقفين.. كالثورتين الفرنسية والروسية.. وهناك ثورات (خاصة) أي لم تضم كل عناصر المجتمع وطبقاته.. واقتصرت على بعض منها.. كثورة العبيد (سبارتاكوس) في روما، في القرن الأول قبل الميلاد.. وثورة الزنج، بالعراق، في القرن الثالث الهجري/ (9م).. وثورة الفلاحين في ألمانيا، في القرن السادس عشر.
وقد كانت الثورة عبر العصور شغلاً للعديد من المفكرين في مجالات عدة، بينها التاريخ، ومنهم من تخصص فيها ك (حنة أرنت).. وأداروا حولها سجالاً، فمثلاً، كان (ماركس) يرى في الثورة ضرورة للتقدم الإنساني، ويراها (نيشته) سلوكاً يصدر عن سيكولوجية الغوغاء، التي تشبه في تكوينها العقلية البدائية.. ومن مفكرينا من قال بحق الثورة، ك(الإمام الغزالي).. ومنهم من جانبه..
وبالرغم من أنه ليس للثورة مفهوم محدد متفق عليه.. لكنها تعني - بشكل عام- تغييراً كبيراً مفاجئاً في أوضاع قائمة.. يسفر عن أوضاع جديدة، لم يسبق أن يكن هناك عهد بها.. كعملية يتم فيها الوصول إلى السلطة وتغيير البناء الاقتصادي-الاجتماعي القائم في المجتمع، وإقامة علاقات اجتماعية جديدة..
والحقيقة أن تعريف الثورة ذاته، هو أول مشكلة تصادفنا، وتبدو واضحة عندما تطلق جماعة ما على نفسها (ثورة).. أو عندما يستولي فرد على السلطة مدعياً أن ما قام به (ثورة).. وما يحدث من خلط واضح لدى الباحثين بين (الثورة) علمياً، وبين حركات أخرى كالانتفاضة، أو الهبة، أو التمرد، أو العصيان، وغير ذلك، عملياً..
ففي لغتنا، وردت كلمة (ثوَر) في القرآن الكريم بتشديد الواو، بمعنى: بحث عن علمه.. وفي (المختار الصحاح) تأتي كلمة (ثور) بتشديد الواو: ثور فلان الشر تثويراً: أي هيجه وأظهره.. وفي (المصباح المنير) أتت كلمة أثاروا الأرض، بمعنى عمروها بالفلاحة والزراعة.. ويعرفها (المعجم الوسيط) بأنها: «تغيير أساسي في الأوضاع السياسية والاجتماعية، يقوم به الشعب في دولة ما».. وتتفق المعاجم الغربية على تعريف الثورة بأنها: “تغير فجائي وأساسي وتام، وتغيير جوهري في النظام السياسي، يتلخص في الإطاحة بحكومة قائمة، وإقامة حكومة من المحكومين”..
ونظراً لكون الثورة ظاهرة إنسانية اجتماعية عرفتها البشرية منذ ما قبل التاريخ.. ونتج عنها تغيير في البناء السياسي والاجتماعي.. وبرزت على إثرها قوى اجتماعية وثورات أخرى.. وقد تتكرر إذا ما دعت الظروف إلى ذلك.. فهل يمكن اكتشاف القانون العلمي لها؟
يرتبط اكتشاف هذا القانون في الواقع بدراسة عينة من الثورات السياسية الاجتماعية الكبرى التي قامت في التاريخ الحديث، من أجل تحديد التراكمات الكمية المطلوبة، التي أدت إلى التغير الكيفي (النوعي).. وهذه الثورات هي:
الثورة الفرنسية (1789).
الثورة الروسية (1917).
الثورة الصينية (1949).
الثورة المصرية (1952).
ثورات أمريكا اللاتينية (الجنوبية): بوليفيا (1952).. كوستاريكا (1953).. كوبا (1959).. وجواتيمالا (1964).
وبالتالي فمن خلال متابعة حركة هذه الثورات، والبحث عن علاقات الأشياء والجزئيات بعضها ببعض وترابطها، من حيث (الأسباب والتنظيم والحدوث والنتائج) يمكن تحديد التراكمات الكمية المطلوب توفرها لبلورة الثورة، والتي تكمن في الشروط الخمسة الآتية:
1 - وجود تناقض اجتماعي- سياسي بين السلطة القائمة وبين المحكومين.. كأن تكون هناك مشكلة اجتماعية حادة بسبب عدم التوازن بين الأجور والأسعار.. أو بسبب احتكار صفوة اجتماعية معينة للحكم وتنحية فئات اجتماعية أخرى.. ومن ثم نشوب الصراع بمختلف أشكاله وحسب مقتضى الحال.
2 - عجز السلطة الحاكمة عن حل التناقض القائم.. وسعيها للاحتفاظ بزمام الأمور في يدها عن طريق إرضاء مختلف الأطراف.. ونقل التناقض إلى القوى المتنافسة معها.. فتحاول استقطاب قوة ضد قوة.. أو تصفية أخرى.. أو اختراق قوة ثالثة، وهكذا.. كما تعمد إلى تقديم تنازلات هنا وهناك، فلا تنجح.. بل تزداد الأمور سوءاً.. لأن الحلول الوسطى لا تقدم أي حلول على الإطلاق حسب (جون ستيورات مل).
3 - وجود جماعة سياسية سرية أو علنية (حزب/ جبهة) تسعى لحل التناقض القائم لصالحها، وفق ما تعبر عنه من مصالح القوى المشاركة.
4 - تطلع جموع الناس إلى التغيير وتنتظره يأساً من الوضع القائم.. أو ما يعبر عنه ب(شرط توفر حالة الثورة في المجتمع).
5 - اختيار اللحظة المناسبة، أو الظرف المواتي المحسوب بدقة للاستيلاء على السلطة.. وهذا يعني أن القيام بالعمل قبل اللحظة المناسبة يؤدي إلى إجهاض الثورة.. والتأخر عن هذه اللحظة يفوت فرصة نجاحها.
فإذا توفرت هذه الشروط الكمية في مجتمع حالة الثورة.. تقع الثورة حتماً ولابد.. ونظراً لأن الثورة تقاس بالأهداف المحققة، فإذا افتقدت لأحد شروطها، فهذا يعني أن تراكمات الحالة لم تكتمل بعد.. أما إذا فشل الثوار في الاستيلاء على السلطة، وتم اعتقالهم وتصفيتهم، فلا يجوز وصف ما قاموا به ب(الثورة).. وهنا يمكن لنا القول إن هذا هو القانون العلمي المستخلص للثورة، والذي يجب أن يستخدمه الباحثون في دراسة الثورات..
نخلص إلى أن الثورة هي حلم للجميع.. وحقيقة ينتظرونها.. ولكن على الرغم من الأهداف والغايات النبيلة التي تقف وراء انفجار الثورة.. إلا أنها لا تخلو من عنصر شرير ومدمر.. فإذا لم يتم إحباطه سرعان ما تتم خيانة هذه المبادئ السامية.. وبالتالي تتحول الثورة إلى عبودية.. ففي حين يرغب الإنسان في أن يحرر نفسه كلية من الاستبداد والديكتاتورية.. ومن كل الأوثان والمقدسات الزائفة الكاذبة بالثورة.. لكنه سرعان ما يخلق أوثاناً زائفة ومقدسات كاذبة جديدة.. بل إن الثورة نفسها قد تتشخصن وتكتسب وجوداً حياً مستقلاً يقف في مواجهة مصير الشعب.. فيحدث أن تختفي من الذاكرة كلية الثورة نفسها.. وتنكرها لكل من أخلص لها وتطلع لها وساعد في خلقها وبعثها.. فتبدأ في التخلص من هؤلاء الذين كان لهم الفضل في وجودها واحداً بعد آخر.. وتبدأ مشكلة كتابة تاريخها بعد اختفاء ممثليها وقادتها الرئيسيين من المسرح السياسي..
نختم بالتأكيد إنه مع كل الشرور التي ترافق الثورة، إلا أنها تعد عملية حتمية.. وتعد كذلك لحظة مهمة في مصير كل شعب.. لكنها نادراً ما تنجح في خلق الإنسان الجديد.. والثورة الحقيقية والأصلية.. ثورة الروح والضمير.. هي التي تؤدي إلى تغيير حقيقي في بناء الوعي وتغيير في الموقف الأساسي تجاه العالم الموضوعي.. وثورة كهذه، هي وحدها الكفيلة بتحقيق الحرية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.