أمي العزيزة.. أردت أن أحتفل بعيدك ، عيد الأم ، في شهر الربيع ، شهر العطاء الذي يشابه عطاءك ، لكن السياسة وأخبارها جرفتني ، بل غمّت عليّ ، وعلى كل يمني ينتمي لهذه الأرض .. كيف لي أن أحتفل وصور الشهداء الذين يسقطون على امتداد الأرض اليمنية تتصدر أخبار كل القنوات العالمية والمحلية ؟! أمي إن بنيك اليوم في معمعة السياسة ينتحرون .. وأنا حزين لما يصيب بلدي .. هل الانفجارات والاغتيالات أصبحت هي السمات التي ترافق اسم اليمن في كل نشرة ؟ هل الحزن على الضحايا الذين يسقطون على كل شبر من أرض اليمن أصبح قدر اليمنيين ؟ ماذا دهانا يا أمي ؟ فرّقتنا المصالح ، فتّفرقت دماؤنا على كل شوارع الوطن ! لا يكاد يمر أسبوع إلا وانفجار أو اغتيال هنا أو هناك .. كم تمنيت أن أحتفل بعيدك الرائع كما يحتفل الآخرون بأعياد الأم في كل أرجاء الأرض، لكن الحزن يظلل سماوات الوطن هذه الأيام .. وكانت تدابير الأقدار عجيبة إذ رحل والدي - رحمه الله - في يوم 21 مارس عام 2008م ، فأصبح اليوم يمثل لي عيد الأم والأب معا ! فيا كل أم ، على امتداد الأرض اليمنية ، احرصي أن يكون بنيك ذخرا ورصيدا لهذه الأرض بعيدا عن دائرة القبح الذي يحيط بنا من كل جانب .. اليمنيون لن يعدموا الأمل في الخير أبدا ، ففي البيوت اليمنية من النساء الفاضلات أمهات يقمن على تربية الجيل وتنشئته على قيم المجتمع التي تمثل هويته ، في زمن فقدت كثير من المدارس قدرتها على التربية والتعليم في آن واحد ؟! فكم من إم تقوم بواجبها الأسري تجاه أولادها وزوجها وتتحمل مشاق الحياة المعاصرة بظروفها الاقتصادية المتدهورة في صمت ومثابرة دون أن تنبس ببنت شفة من تذمر أو سأم .. وأنا إذ أقدّر أو أعلي من قدر الأم والأمومة - في يوم عيدها وفي غيره - لا أكون قد جئت بغريب ، ولا أمر مستنكر ، فأنا الذي تناقلتني أيدي أمهات كثيرات عبر مسيرة حياتي الشخصية ، حيث قامت كل واحدة منهن بدورها حتى رحلن جميعا إلى بارئهن - رحمهن الله رحمة واسعة .. لكنّ أماً منهن لم ولن ترحل ! وسأرحل أنا وهي لا تزال حاضرة بكل حبها وأمومتها لكل بنيها .. إنها أمي وأمك أيها اليمني في كل مكان ، إنها أمي اليمن.. وأخيرًا: انظر الكونَ وقلْ في وصفهِ …كلُّ هذا أصلُه من أبوين فإذا قيلَ : ما أصلُهما ؟… قل : هما الرحمةُ في مَرْحَمتين فقدا الجنةَ في إيجادنا … ونَعِمْنا منهما في جَنّتين (أحمد شوقي).