سالم صالح محمد.. شخصية وطنية معروفة، كرس جهده ووقته في العمل الوحدوي ، وتقلد العديد من المناصب القيادية، سواء قبل إعادة تحقيق وحدة الوطن أو بعد إنجاز هذا المشروع الحضاري.. حيث يشغل حالياً مستشاراً لرئيس الجمهورية. « الجمهورية » .. طرحت عليه تساؤلات مواكبة لما يجري على الساحة.. وفي إجاباته مساحة من الحرية في الطرح.. وفي قراءة الأحداث بروح متفهمة للواقع ولضرورة النقد الذاتي لبعض الأخطاء والممارسات. وعملاً بالمناخ الديمقراطي ومساحة الحرية تنشر « الجمهورية » إجابات الأستاذ سالم صالح محمد كما هي دون تدخل أو حذف. في الحديث أكد مستشار رئيس الجمهورية، أن الجيل الجديد مدعو إلى معرفة معاناة شعبهم في ظل الإمامة والاستعمار والتشطير.. مشيراً إلى أن الأخطاء والممارسات التي يرتكبها (الفساد) لا علاقة لها بالوحدة ، متأسفاً على بروز بعض المظاهر السلبية التي كانت غائبة في الجنوب كالمشيخات والقبيلة، مؤكداً في الحديث أهمية الاصطفاف لإنهاء نتائج الحروب وتنفيذ البرنامج الانتخابي الرئاسي، وقال في حديثه: - «إن غياب الحوار وتفشي أعمال (التخريب) يقود الوطن إلى دائرة العنف والتطرف».. مبدياً قلقه مما يجري من خطاب تعبوي ضد الثقافة الوطنية الواحدة، معتبراً ذلك لم يكن يحدث في السابق. وانتقد الأستاذ/ سالم صالح محمد في ختام حديثه الإجراءات ذات الصلة بوقف الصحافة دون أحكام قضائية.. وفي الحديث جملة من القضايا والموضوعات تستحق القراءة لملامستها الوقائع على الأرض.. حتى وإن اختلفنا معه في بعضها واستنتاجاتها... وفيما يلي نص الحوار: الجيل الجديد مدعو إلى معرفة معاناة شعبهم في ظل الإمامة والاستعمار والتشطير .. لاعلاقة للوحدة بما يمارسه«الفُسّاد» في البلاد!! .. نأسف أن تعود مظاهر«المشيخات» و«القبيلة» و«السلطنات» إلى الجنوب .. أوقفنا أعمال «لجنة معالجة الظواهر السلبية» لأن البعض اعتبرها حكومة مصغرة! .. المهمة الملحة على عاتق الجميع.. إنهاء نتائج«الحروب» وتنفيذ البرنامج الرئاسي الانتخابي .. غياب الحوار وتفشي أعمال «التخريب» يقودنا إلى دائرة العنف والتطرف .. نعم ساورني قلق على الوحدة، لأن جيلنا لم يتربَّ على هذه الثقافة المقيتة .. أتساءل.. لماذا الإجراءات الاستثنائية في ملاحقة الصحافة دون أحكام قضائية؟ .. الجمهورية: بعد مرور 19 عاماً على إعادة تحقيق وحدة الوطن.. كيف تنظرون إلى المستقبل؟ سالم صالح: مهما كانت النواقص والصعوبات التي حدثت من جراء حرب صيف 49 ونتائجها وآثارها المدمرة إلا أن نظرتنا إلى المستقبل هي نفس نظرة يوم 22 مايو بآماله وطموحه وتمنياته وأحلامه وجماله. .. الجمهورية: هل من توضيح أكثر؟ سالم صالح: أعني في مواصلة بناء وتطور وتطوير هذا الوطن الجميل وطن 22 مايو 90 الذي ارتضيناه جميعاً. الجمهورية: في نظركم.. ماهي أبرز ملامح المتغير في المشهد العام لمسيرة اليمن خلال العقدين الأخيرين؟ سالم صالح:حصلت إنجازات وتطورات كبيرة، وتحقق وطن جميل، ورافق الوحدة منجز الديمقراطية وكلاهما«الوحدة والديمقراطية» بحاجة إلى الصيانة والرعاية من تلك الشوائب والنواقص والأخطاء التي ترتكب باسم الوحدة، وليس للوحدة علاقة بما يمارسه «الفُسّاد» في الأرض.. ..الجمهورية: ماهي برأيكم آليات مكافحة هذه الظواهر السلبية ومنها الفساد والمفسدون؟ سالم صالح: تفعيل المؤسسات القائمة، واعطاء الحكم المحلي كامل الصلاحيات وتطبيق القانون والنظام والدستور وتفعيل واحترام القضاء والنيابة ودور الشرطة وأجهزة الأمن ومراقبتها وحمايتها وتطويرها على أساس وطني هو الكفيل إن شاء الله وإن أراد القرار السياسي ذلك بمكافحة الفساد والمفسدين في الأرض. .. الجمهورية: هل لكم أن تذكروا الأجيال الجديدة بالمعاناة التي عاشها شعبنا في ظل التشطير؟ سالم صالح: الجيل الحالي الذي ترعرع في واحة الوحدة والديمقراطية، والجيل الذي عاش في إطار النظام الجمهوري ولم يشهد الحياة أيام النظام الإمامي البائد والاستعمار البريطاني مدعو إلى معرفة أوجه الحياة ومعاناة الآباء والأجداد في ذلك الوقت، وقبل أربعة عقود من الزمن حيث كان الجهل والفقر والمرض هم الثالوث الملازم لحياة الشطرين والعودة إلى صور تلك الأيام.. والحياة تعطي للأجيال الجديدة كم هي الحياة تلك كانت صعبة وقاسية ومريرة. لا ندعي الكمال في حياتنا الجديدة، ولاالطموح والآمال العريضة التي لازمتنا يوم 22 مايو 90م عندما حققنا الوحدة، ولكننا رغم النواقص والعيوب والحروب نقول إن الحاضر أفضل من الماضي وإن الأيام الجميلة هي التي لم نعشها بعد. .. الجمهورية: كنتم أحد أبرز قيادات الوحدة ممن ساهموا في تحقيق هذا المنجز العظيم.. هل تختزنون بعض اللحظات والذكريات عن تلك الفترة الحساسة والدقيقة من حياة شعبنا..وماهي؟ سالم صالح: كثيرة هي تلك اللحظات والذكريات وأهمها وهو مايؤخذ علينا «الإسراع في تحقيق يوم الوحدة» وهي حالة«الرومانسية الثورية» التي وقعنا فيها حباً في الوحدة.. حباً في تحقيق الحلم الذي راود الآباء والأجداد وناضل الشعب من أجله طويلاً وقدم التضحيات الجسام.. كنا ولازلنا نعتقد أن تحقيق هذا الحلم هو الكفيل بإنهاء موروث التخلف والجهل والتشطير وأننا كبرنا بكبر مساحة هذا الوطن الجميل.. ..الجمهورية: ألم تساهم سنوات الوحدة في التخفيف من هذا الموروث الذي تتحدثون عنه؟ سالم صالح: لم تتحقق الطموحات والآمال التي عقدناها يوم 22 مايو العظيم.. فنسبة الأمية ياترى كم هي.. رغم أننا شيدنا ثماني جامعات و1200 مدرسة ثانوية.. ونسبة البطالة بين الشباب كم هي؟ ونسبة التضخم.. وغلاء الأسعار، وارتفاع المهور كم هو؟ وعمليات الثأر والعودة في الجنوب إلى الوضع المشيخي والقبلي.. وهلم جرا.. هل يرضي ذلك طموحنا وأحلامنا الجميلة ياسيدي الكريم؟! .. الجمهورية: تحملتم مؤخراً رئاسة لجنة تعنى بمعالجة الظواهر السلبية.. هل لنا أن نتعرف عن المعالجات التي تم اتخاذها؟ وماهي الصعوبات التي واجهتكم؟ سالم صالح: اللجنة التي صدر بها قرار جمهوري وضعت برامجها وحددت مجالات عملها واصطدمت كالعادة بالروتين والبيروقراطية حيث سقطت بأول ضربة وتوقفت عن العمل لأسباب يعرفها فخامة الرئيس وأعضاء اللجنة الموقرون والمهتمون بها.. .. الجمهورية: ألا يحق للقارئ معرفة بعض تلك الأسباب؟ سالم صالح: بصراحة رفضت الحكومة التعامل مع اللجنة وأوقفت الاعتماد المقرر لها وأحالت الموضوع إلى الرئاسة باعتبارها لجنة رئاسية تابعة لها، والرئاسة رأت أن برنامج اللجنة وآلية عملها أشبه بحكومة مصغرة لهذا تم توقيف أعمال اللجنة والسلام.. .. الجمهورية:تتمتعون بشفافية بالغة في طرح القضايا الوطنية.. هل ترون أن ثمة أخطاء صاحبت التجربة؟ وماهي- في نظركم- أبرز المعالجات؟ سالم صالح: نعم هناك أخطاء ، ونواقص جمة يجب أن نصارح الشعب بها حتى يكون معنا، ولايمكن في هذا العصر إخفاء مثل هذه الأخطاء عن الشعب الذي يدفع الضرائب والزكاة وفارق الأسعار من أجل حكومة أو أجهزة لاتحترمه. تحققت الوحدة والديمقراطية في ظروف وبيئة مناسبة، سلمياً وبدون إكراه وتمت حرب 94 لتنسف هذا المنجز الجميل في حياة الشعب اليمني وآثار هذه الحرب، وحروب صعدة لم تندمل بعد، ولازالت الحالة النفسية والاقتصادية والاجتماعية مرهونة بهذه النتائج والآثار السيئة. ويواصل الأستاذ سالم صالح إجابته بالقول: إذاً فالمهمة الملحة هي إنهاء نتائج هذه الحروب ومواصلة بناء الحكم المحلي كامل الصلاحيات ، وتنفيذ البرنامج الرئاسي الانتخابي وإصلاح النظام الانتخابي القائم ومواصلة العدالة والمساواة والتنمية وفقاً لاستراتيجية وطنية يقرها الجميع ويناقشها عبر الحوار البناء حتى تصبح مهمة الجميع «سلطة ومعارضة» حاكماً ومحكوماً. .. الجمهورية: في ظل المناخات الديمقراطية.. أين تكمن مشكلة المعارضة في الداخل والخارج؟ وإلى أين تفضي حالة استمرار المماحكات السياسية والحزبية؟ سالم صالح: المشكلة تكمن في عدم الاحترام للآخر. عندما نحترم الدستور والقانون والنظام والمؤسسات ونفعل الهيئات والعمل السياسي بدلاً من اللجوء إلى القوة المفرطة أو اتباع أساليب الفوضى المتمثلة في قطع الطرقات وإحراق الممتلكات العامة أو الخاصة نكون قد خرجنا إلى دائرة العنف والتطرف ورمينا الأسلوب الأمثل وهو الحوار البناء بين أطراف العملية السياسية القائمة وبين كافة اللاعبين في الميدان. .. الجمهورية: هل ساوركم القلق على الوحدة؟ وماهي تصوراتكم لتعزيز مسار الوحدة الوطنية لمجابهة التحديات الراهنة وإفشال رهانات أعداء الوحدة؟ سالم صالح: نعم.. ساورني وغيري القلق في الفترة الأخيرة، حيث سادت مفاهيم وأطروحات لم نكن كجيل يفكر أو يحلم بها؟ وتمت ممارسات أيضاً وباسم الوحدة وعلى «شماعتها».. لم نكن راضين عنها، أوصل الطرفان الأمور إلى الأوضاع الأخيرة التي عاشتها الجمهورية الفتية، وبسبب تلك الأوضاع للشعب الصامد وللوحدة اليمنية التي نحتفل بالعيد التاسع عشر لتحقيقها. .. الجمهورية: هل لكم ملاحظات على الخطاب الإعلامي الذي يثير الكراهية وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد؟ وماهي مقترحاتكم؟ سالم صالح: اتفق مع زميلي وأخي الدكتور عبدالكريم الإرياني فيما طرحه حول مستوى الإعلام الرسمي والحزبي والأهلي والمعارض من أنه لم يبلغ حد النضج. ياسيدي ومن خلال صحيفتكم إلى أخي وزير الإعلام والسادة رؤساء التحرير أقول: نحن بحاجة ماسة إلى تغيير شامل وكامل للخطاب الإعلامي والسياسي القائم. نحن نعيش الآن عصراً جديداً بكل ماتحمله الكلمة من معنى. وهذا يتطلب ويقتضي مراجعة شاملة لخطط وبرامج الإعلام الرسمي والأهلي، على هؤلاء أن يراجعوا مبيعات الصحف.. على هؤلاء أن يعملوا استبياناً حقيقياً لمعرفة مشاهدي التلفزيون المحلي وبرامجه. علينا أن نتواضع.. أن نتعامل بصدق مع أنفسنا ومع ضمائرنا ومع شعبنا، وعندها لن يخذلنا هذا الشعب. أما الإصرار والمكابرة واتباع الأساليب القديمة في القدح والمدح والذم والشتم فعقول ووعي الناس قد تغير وبمسافات زمنية وجغرافية وتكنولوجية واسعة. الجمهورية: سألتكم عن الإعلام الحزبي والمستقل الذي يعتمد خطاب بث الفرقة، واستهداف اللحمة الوطنية؟ سالم صالح: حديثي عن الإعلام القائم في البلد، إنما إذا أردتم أن نصنف فأسألك سؤالاً: كم عدد جيش العاملين في الصحف الحكومية والحزبية العاجزين عن الرد على هذه الصحف التي تثير النزعات بموضوعية وبمهنية عالية.. ولماذا اللجوء إلى الإجراءات الأمنية واغلاق ومتابعة الصحفيين بدون حكم قضائي واضح؟ ولماذا الإصرار ياسيدي على مواصلة الإجراءات الاستثنائية؟ هذه المسائل التي تقوم بها الأجهزة الرسمية هي إساءة كاملة للنهج الديمقراطي ولواحة الوحدة التي تستند إلى الدستور والقانون..