- د. عمر عبد العزيز ليس جديداً ذلك الاستنتاج الذي أصبح ركناً من أركان الأدبيات السياسية المعاصرة والمتعلق بازدواجية المعايير لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لكن الجديد المخيف أن هذه ازدواجية المعايير تعممت بقوة الدفع الذاتي الموصول بالحمية السياسية العسكرية القسرية التي تباشرها الإدارة الأمريكية الراهنة منذ عدة سنوات، حتى إن الكثيرين من شركاء الولايات المتحدة الأوروبيين ممن كانوا يفضلون إجرائياً عدم الخلط بين الحلف الاقتصادي العسكري مع الولايات المتحدة والمواقف السياسية أصبحوا الآن يتماهون مع الإرادة الأمريكية وبالتدريج المريح جداً، فيما أصبحت العمليات الانتحارية الإرهابية في الداخل الأوروبي بمثابة المصوغ للتراجع عن مناوأة السياسات الأمريكية، حتى يبدو أن المتطرفين في الجانبين الأمريكي و"الإسلامي" يصدرون من نبع واحد وينفذون ذات البرامج التدميرية، ليس للأشياء والموجودات فقط، بل للعلاقات التاريخية الطبيعية بين البشر والأديان والملل والنحل. آية ذلك تشابه الوسيلة المتبعة في الحالتين، فالرافضون للمشروع الأمريكي "شكلاً " يعممون ثقافة الموت والمصادرة التي تطال الجميع دون تمييز، وبالقابل يجد النيتشوي الأمريكي كل المبرر للذهاب بعيداً في النزعة العسكرية والأمنية التي وصلت إلى حد تعديل أفضل القوانين الأمريكية وأكثرها شفافية وإنسانية بشهادة علماء القانون الدولي. الالتحاق ببيئة المعايير الأمريكية المزدوجة ينطبق بوجه أخص على جملة البلدان الأوروبية التي كانت ترفض السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط وفي مقدمتها فرنسا، فالرئيس "شيراك" الذي طالما وصفته دوائر البيت الأبيض بوصفه "ديناصوراً منقرضاً" لم يعد يتحرّج من تقديم أوراق سياسية لصالح الإدارة الأمريكية بعد أن تبيّن له ومن معه أن الرهان على صحوة عربية أبعد من النجوم، وأن منظومة المصالح الفرنسية مع الولايات المتحدة لا يمكن التفريط فيها بعد أن زاد الاقتناع بأن الموقف العربي المتشظي أصلاً ليس في وارد التماسك أو التغيّر. [email protected]