- عبدالله حميد عبدالرحمن اذا كان المفترض بالمواطن أن يكون قارئاً فإن من أوجب الواجبات أن يكون المثقف قارئاً موسوعياً، وإذا كان الإنسان والحيوان والنبات يتقدمون بالأعمار، فإن هناك أشياء مهما تقدمت بها السنوات تظل وكأنها تعيش شباباً متجدداً ألا وهي الفنون والآداب الإنسانية، وقلما نجد أدباً وفناً إنسانياً قيل عنه صار «هرماً». إذ نقرأ في الأدب الانكليزي والروسي والفرنسي وأدب المانيا أيام القياصرة والأباطرة، ونستشف من تلك الأعمال الأدبية والفنية أعمالاً تشابه إلى حد مابعض الأعمال الجديدة، لأن هموم الإنسانية وقضاياها تتوالى وتظل «هي هي» عبر الأزمان المتعاقبة جاء أدب وتلاه أدب، ومضى أدب، وبقي أدب، ومثله الفنون الأخرى تتوالى وتظل أعمالاً شابة مهما تعاقبت عليها المراحل ومهما كانت أعمار من أبدعها فمثلاً ديسكوفيسكي، وتشيخوف، وشكسبير، ونيشته، وشوبنهور وهيجل، وفيخته، وماركيز، ولوركا وغيرهم من المبدعين كطه حسين، وعباس محمود العقاد، ورفاعة الطهطاوي، والشابي، والسياب، والبياتي، والريحاني، ونجيب السيد ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وكوكب الشرق وعبدالوهاب وعبدالحليم وفريد ورشيد رضا، وجبران وغيرهم كثر كانت وستظل أعمالهم الإبداعية فناً وأدباً تعيش شباباً متجدداً كلما عاود الإنسان قراءة أعمالهم كلما أحس/رغم مجيء أعمال جديدة/بأنها تعالج قضايا العصر رغم قدمها ورغم أن مبدعيها قد رحلوا يشعر القارئ وكأنهم من الموجودين وليسوا في طي الغياب، ثم نقرأ أعمالاً أدبية وفنية يمنية لمن رحلوا ونحس بوجودهم ممايدل على أن هناك أشياء في الحياة تظل متجددة بشبابها رغم تعاقب السنوات عليها ورحيل مبدعيها..وبعض المبدعين كلما تقدم بهم العمر كلما ازداد أدبهم وفنهم نضارة وروعة وتجدداً أيضاً، وكلما تفتحت أمامهم آفاقاً إبداعية ملونة ومنوعة..كلما ازدادت ابداعاتهم ألقاً وعمقاً.. ولو أخذنا نموذجاً من أدبنا اليمني كالأستاذ البردوني لوجدنا أعماله شعراً ونثراً أيام الإمامة تختلف عن مابعدها، ولوجدنا أعماله في السبعينيات تختلف عن التالية لها إذ كانت أعماله تتطور مابين فترة وأخرى، ورغم تقدمه في العمر كان يعطي عطاءً أدبياً راقياً وجديداً وظلت أعماله شابة حتى بعد رحيله..لهذا نتمنى من الذين يكتبون ويقدمون أعمالاً أدبية وفنية أن يكثروا في قراءتهم حتى يعطوا عطاءً عظيماً يتماثل بأعمال السابقين، أو يتفوق عليهم، فذلك أفضل إذ ليس بعيداً أن تأتي أجيال أكثر إبداعية من سابقاتها، إذ ليس هناك مستحيلاً مادام الإنسان يتوق إلى الأروع والابدع والأمثل والأجمل ولقد قال الشاعر: تعلم فليس المرء يولد عالماً.. فبالتعليم يتمكن الإنسان من القراءة، وبالقراءة يتعرف على عوالم جديدة في الحياة