- د. عمر عبد العزيز ليس هناك فراغ بالمعنى الفيزيائي.. فالفراغ الذي نراه ليس إلا حالة من الاعتمار الكبير بما يتجاوز رؤيتنا البصرية أو تقديراتنا الذهنية.الذي يشاهد الهواء يعتقد أنه يرى فراغاً؛ لكن الحقيقة هي أن الهواء مترع بملايين الكائنات والجسيمات غير المرئىة بالنسبة لنا.. وعلى ذات المنوال يمكن القياس، حيث يكون أي فراغ هو لا فراغ، امتلاء واكتناز بمعنى من المعاني. يقولون إن الفراغ هو المعادل السحري للمادة القابلة للتشكل في أي حيِّز.. وبالتالي فإن مادة الفراغ هي الأنبل والأكثر حيوية في خصائصها الفيزيائية وتأثيراتها النفسية. في السينما أحسن المخرج الروسي «ايزنشتين» استخدام الفراغ بابتكاره «المونتاج الذهني» القائم على تقطيع اللقطات وإيجاد رابط دلالي ومعنوي بين اللقطات المشهدية التي تحمل في طيَّاتها فواصل أشبه بالفراغ. في الإخراج الصحفي يواجه المخرج قابليات متعددة لفراغات بين الكتل النصية والفوتوغرافية. ويعرف أكثر المخرجين حصافة أن تلك الفراغات البيضاء قد تكون سلبية وقد تكون إيجابية، فإذا ما أحسن المخرج توظيفها لصالح المساحات الإخراجية المتاحة يكون الفراغ قد تحوَّل إلى ميزان بصري يُعزِّز العمل.. ما لم فإنه يتحوَّل إلى مساحة قاتلة للميزان البصري للصفحة. الفراغ رديف السكون والروية.. الهدوء والطمأنينة.. يكون أحياناً ضرورة للتأمل.. بل الكسل الفلسفي الصادر عن امتلاء مسبق.. وأحياناً يكون سلبياً قاتلاً.. كما الحال عند الذين يستمرئون الكسل لمجرد الكسل. نحن الذين نصنع فراغاتنا الإيجابية وفراغاتنا السلبية، لكن ذلك لا يمنعنا من اعتبار الظروف والتأقلم معها عندما تفرض علينا فراغاً لا نرغب فيه.