- د. عمر عبد العزيز لم تتمكن " أديس أبابا " من ضبط نفسها الى النهاية، ولم تقتنع بأن حكومة الرئيس الصومالي عبدالله يوسف القابعة في مدينة " بيدوة " ليست محل رهان حقيقي، خاصة إنها بدأت تفقد أساساً ادوات شرعيتها واحدة تلو الاخرى، ابتداء من خروج نصف أعضاء الحكومة من التشكيل الوزاري، ثم الصاعقة التي تمثّلت في انشقاق رئيس البرلمان ومعه كوكبة من البرلمانيين الذين رافقوه إلى العاصمة مقديشو وأصبحوا حلفاء مؤكدين للمحاكم الشرعية بقيادة الشيخ أويس، ثم اللقاء الثنائي في عدن بين الشيخ شريف أحمد شريف رئيس المحاكم الشرعية مع رئيس البرلمان والذي تم إثر وساطة متجددة للرئيس اليمني علي عبدالله صالح،وأخيراً وليس آخر خروج بعض الوحدات العسكرية من طوع حكومة عبدالله يوسف والتحاقها بالمحاكم الشرعية . تلك التطورات بجملتها كانت كفيلة بأن تجعل اثيوبيا تحسب بدقة حساب الحقل والبيدر ولا تندفع الى النهاية في مناصرتها لشرعية نيروبي التي تبخّرت منذ اليوم الأول لإنجازها، فالحاصل ان حكومة شرعية نيروبي لم تستفد من تلك الفرصة التاريخية، ولم تباشر تنفيذ برنامجها كما ينبغي، فقد أصبحت كالحكومة الشاردة تتنقل بين مدينة واخرى ولا تريد الذهاب إلى العاصمة مقديشو خوفاً من ان تقع فريسة لأمراء الحرب هناك، والمضحك المبكي في هذا الموقف أن شرعية نيروبي ارتضت بأن يكون أمراء الحرب شركاء حكماً ومصيراً، وتجاوزت فداحات جرائمهم التاريخية بحق الأرض والشعب، لكنها اكتشفت في لحظة من سخريات القدر أن أمراء الحرب لم يقبلوا بالدولة الاتحادية اللامركزية وكامل الترتيبات البهيجة لدستور شرعية نيروبي إلا لكي يفرغوه من مضامينه ويكتسبوا إلى جانب القوة والمال الحرام غطاءً شرعياً يتدثرون به، ودولة تكرس نفوذهم المطلق على البلاد، وهكذا انتهت حفلة نيروبي فوقع عبدالله يوسف ومن معه في حيرة شديدة، فلا هم بالقادرين على طرد أمراء الحرب من العاصمة، ولا استبعادهم من " الشرعية " التي اكتسبوها في نيروبي كشركاء في البرلمان والحكومة، ولا هم قادرون على وضع النقاط على الحروف للخروج من المأزق . لقد شكلت هذه الحقيقة ذريعة لتحالف عبدالله يوسف مع اثيوبيا ، فيما وضعت أديس أبابا كل رهاناتها على حكومة شرعية نيروبي، وهكذا بدأت متوالية جديدة في حرب الصومال.