لم تتمكن «أديس أبابا» من ضبط نفسها إلى النهاية، ولم تقتنع أن حكومة الرئيس الصومالي/عبدالله يوسف ليست محل رهان حقيقي، خاصة أنها بدأت تفقد أساساً أدوات شرعيتها واحدة تلو الأخرى، ابتداء من خروج نصف أعضاء الحكومة من التشكيل الوزاري، ثم الصاعقة التي تمثلت في انشقاق رئيس البرلمان ومعه كوكبة من البرلمانيين الذين رافقوه إلى العاصمة مقديشو وأصبحوا حلفاء مؤكدين للمحاكم، ثم اللقاء الثاني الثنائي في عدن بين الشيخ شريف أحمد مع رئيس البرلمان والذي تم إثر وساطة متجددة للرئيس/علي عبدالله صالح، وأخيراً وليس آخر خروج بعض الوحدات العسكرية من طوع حكومة صلاد والتحاقها بالمحاكم الشرعية. تلك التطورات بجملتها كانت كفيلة أن تجعل اثيوبيا تحسب بدقة حساب الحقل والبيدر، فالحاصل أن حكومة شرعية نيروبي لم تستفد من تلك الفرصة التاريخية، ولم تباشر تنفيذ برنامجها كما ينبغي، فقد أصبحت كالحكومة الشاردة.. والمضحك المبكي في هذا الموقف أن شرعية نيروبي ارتضت أن يكون أمراء الحرب شركاء حكم ومصير، وتجاوزت فداحات جرائمهم التاريخية بحق الأرض والشعب، لكنها اكتشفت في لحظة من سخريات القدر أن أمراء الحرب لم يقبلوا بالدولة الاتحادية اللا مركزية وكامل الترتيبات البهيجة لدستور شرعية نيروبي إلا لكي يفرغوه من مضامينه ويكتسبوا إلى جانب القوة والمال الحرام غطاءً شرعياً يتدثرون به، ودولة تكرس نفوذهم المطلق على البلاد. وهكذا انتهت حفلة نيروبي، فوقع عبدالله يوسف ومن معه في حيرة شديدة، فلا هم بالقادرين على طرد أمراء الحرب من العاصمة، ولا استبعادهم من «الشرعية» التي اكتسبوها في نيروبي كشركاء في البرلمان والحكومة، ولا هم قادرون على وضع النقاط على الحروف للخروج من المأزق.