- زيد الغابري ..كل الذين أصبحوا بحاجة إلى إغاثة وتعاون من المجتمع الدولي خاصة أو ممثلاً بالأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة كانوا أعزاء في أوطانهم ومنهم لم يغادر الوطن وإنما لجأ إلى قرى تبعد عن مسقط رأسه من بطش المذهبية أو العرقية أو القومية أو الدينية، فبالأمس دعت الأمم المتحدة الدول المانحة إلى تقديم ستين مليون دولار لإغاثة المهجرين العراقيين عن قراهم في بلدهم تحت تهديد السلاح ونهب الممتلكات وقتل وخطف العديد منهم إلى جهات مجهولة وقد يكونون ضمن الجثث التي تظهر كل يوم مشوهة ولا يوجد ما يساعد على معرفة هويتها، فمن كان يصدق بأن هذا التطهير والفرز السكاني سيحدث لولا الغزو الأمريكي البريطاني؟!. لقد كان العراقيون في بحبوحة من العيش الرغيد بفضل الثروتين الزراعية والبترولية، كيف والنهران دجلة والفرات يشقان البلاد من الشمال والشمال الغربي ويلتقيان قرب شط العرب يرويان مساحات شاسعة من أرض الرافدين. لقد عرفنا العراق في الستينيات وبعد الستينيات بما في ذلك فترة الحصار الجائر الذي دام خمسة عشر عاماً، ولم يحدث أن رأينا عراقياً يمد يده طلباً للمساعدة من أبناء بلده أو من القادمين، وكنا نرى التمر يغطي البساتين التي لا يخلو منها بيت خاص دون أن يجمعه أحد إلا أولئك الذين يبيعونه للتجار أو المؤسسات المصدرة، فلم يكن يحلو بيت أو فلة أو بستان أو حديقة من أشجار النخيل، وكان المسافر يرى من الطائرة البصرة وهي الأشهر بكثرة وزراعة النخيل وكأنها غابة أو جزء من غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية، وكان عدد نخيل البصرة وحدها في الستينيات يزيد على الثلاثين مليون نخلة معظمها أحرق أو قصف أثناء الحرب مع إيران 1980 1988م، ثم جاءت حرب الخليج الثانية عام91م فقضت على معظم ثروة العراق الزراعية وعلى رأسها النخيل والبرتقال، فقد كان المعتدون يستخدمون أسلحة كيماوية لإتلاف المحاصيل الزراعية وخاصة القمح والشعير ومن ثم إحراق التربة وجعلها غير صالحة للزراعة في المستقبل. صحيح أن بعض المتسولين قد شوهدوا في بعض الشوارع العراقية وخاصة أمام وقرب العيادات التي كان يتردد أو يعالج فيها اليمنيون وغيرهم، وكنا نلاحظ في عام 97م أن العراقيين بصورة عامة ينهرون الأطفال الذين يطلبون المساعدة وهم في حالات رثة بعد أن كان الرجال والنساء والأطفال في العراق في أمن غذائي وأمن اجتماعي قلّ نظيره، فلا شيعي ولا سني ولا كردي ولا مسيحي أو تركماني يعامل معاملة خاصة في كل أوجه الحياة، أما اليوم فإن حالة هذا الشعب أصبحت جحيماً، فلا طعام ولا ماء نقي ولا كهرباء مستمرة ولا أمن يتيح لمن يريد التسوق شراء أهم المتطلبات اليومية بسبب القتل والتفجيرات والاختطافات والتهجير الذي يعتبر كارثة وحقيقة للحرب الأهلية الطاحنة التي يشهدها العراق.. ويا أسفاه على العراق..!.