- إرباك غمدان اليوسفي .. ينفصل الزمن عن المكان هنا..الظل ذاته يتفيأ عمراً مضى منه أكثر من1500عام وينتظر ما بقي..أما نحن فنتفيأ ظل شجرة أغرب حتى من أسمها.. «شجرة الغريب» ..وفي ألسنة عجائز القرية تلك:ابن الغريب..300كيلو متر أو تزيد قليلاً حتى تصل إلى الشجرة بعد أن تغادر العاصمة صنعاء جنوباً صوب محافظة تعز لتصل إلى قرية «دقم الغراب» في دبع التي ينحدر منها رجلي الأعمال الشهيرين محمود سعيد وعبدالخالق سعيد.. أضخم وأغرب شجرة في العالم..ذلك مايراه القادمون إليها حتى من خارج البلاد،على الأقل لأن قطرها يتجاوز حجمه ال24متراً في حين تغطي فروعها مساحة تزيد على عشرة أمتار من جميع الاتجاهات بارتفاع يتجاوز الأمتار السبعة. في لوحة نصبت إلى جوار الشجرة من قبل مجلس حماية البيئة وكأنها بطاقة للأحوال الشخصية تشير إلى أن عمر شجرة الغريب أو «الكولهمة»كما جاء في اللوحة كتسمية علمية لها قد يتجاوز ال1500عام. تترك الشجرة عمرها ذاك وتذهب لتصنع من أوقات العجزة والأطفال حكايات يتكفل الزمن وحده بإتلافها. عن وجودها يتناقل الناس هنا أن غريباً من الأولياء الصالحين مر على ذلك المكان وكانت شجرة عادية فاستظل بها وذهب لتبقى كرامته على الشجرة منذ ذلك الوقت الذي لم يعلم بدايته. حكاية أخرى ينقلها العجوز عبدالله سعد اسماعيل 81 عاماً لاتبعد عن الأولى كثيراً إلا أنه أورد أن جده كان يحدثه نقلاً عن أجداده أنها نبتت في مكان أقام به أحد الصالحين ربما ينحدر من قرية يمنية تابعة لمحافظة الحديدة غرب البلاد حالياً اسمها«المراوعة»،والتي كانت معقلاً علمياً في العصور القديمة.. علاج يضيف الرجل العجوز الذي ينتسب إلى قرية «حجنن» بالقرب من الشجرة و أنه يستخرج منها علاج لعدد من الأمراض أبرزها الأمراض الجلدية كالحساسية وغيرها التي يستفاد من قشرتها في ذلك الغرض إضافة إلى معالجة أمراض النساء العضوية في حين يدور الحديث عن اعتقاد نساء بأن عدداً من الطقوس العلاجية أمامها تكون سبباً في علاج العقم،كأن يتبركن بجذع الشجرة أو يقذفنها في أوقات معينة وهذه الظاهرة اندثرت إلى حد كبير حسب العجوز اسماعيل. لاتحمل الشجرة ثماراً إلا أن الناس يتناقلون حكاية مثيرة في هذا الأمر.. يتحدث العجوز إسماعيل أن الحديث شائع حول أن ثمرة واحدة تشبه الشمام تنبت كل عام مرة واحدة وتخرج في يوم واحد لايعلم مصيرها بانتهاء ذلك اليوم. وفي حين يتناقل الناس أن كرامة إلهية تلف الشجرة ينقل الرجل في حديثه ل«الشروق» مما تناقله الناس منذ القدم أن شخصاً يأتي ليلاً لأخذ تلك الثمرة كلما نبتت لايعلم أحد حتى الآن من هو ،مورداً أن الناس من ضمن ما يحكونه أنهم قرروا حراسة الشجرة لمعرفة من هو الذي يحظى بتلك الثمرة وما مصيرها إلا أن نهاية مأساوية كانت تنتظر الحارس. صعد الرجل الفضولي إلى الشجرة أواخر النهار لينتظر القادم الذي كان يحمل هيئة بيضاء بأرجل كأرجل الحمار..الرجل لم ير تلك الرجل لكنه أحس بإحداهن حين انطبعت على عنقه بركلة لم يفق بعدها سوى ساعات تحت الشجرة بعد أن أكل الثمرة آكلها ومضى ليكون مصيره الأقرب هو علامة في عنقه ثم البحث عن كفن وفبر بدلاً من البحث عن آكل الثمرة. تاريخياً ورد اسم الشجرة في كتاب «الإكليل» للمؤرخ الشهير الحسن الهمداني دون ذكر تاريخ لها. الشجرة مزار جيد للسياح المحليين والأجانب خصوصاً مع توفر وسهولة الوصول إليها بالإضافة إلى قربها من واد زراعي سياحي شهير لاتنقطع أنهاره يدعى وادي البركاني ،لكن ذلك ربما لم يكن كافياً عند رجل العطور محمود سعيد حيث قام ببناء مجسم ضخم للشجرة في بهو أحد المراكز التجارية التابعة له في منطقة الحمراء بجدة في السعودية يثير اهتمام الزائرين. «تحت أسوار شجرة الغريب» لم ينته أمر الشجرة إلى هنا لكنها إلى جانب ماتحظى به من الشهرة جعلت حتى من لغة الشعر متفيأً جميلاً استظل تحته عدد من الشعراء ليبدعوا قصائد كالتي حصلنا عليها من مذكرات اليمن عند الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى. العيسي قال كلاما:"كنا أنا وزوجتي نجلس تحت شجرة الغريب وهي شجرة تاريخية عجيبة تقع على طريق تعز الحجرية وقد سميت القصيدة «تحت أسوار شجرة الغريب» ..وهي أجمل ما كتبت في تلك الفترة وتعتبر أجمل قصيدة في ديوان اليمن حتى أن بعض أصدقائي ومنهم الأخ الدكتور/حسام الخطيب وهو من الأدباء المعروفين في النقد والشعر قال لي:هذه سيمفونية عربية وسأحاول أن أترجمها إلى الانجليزية وهو يجيدها كما يجيد العربية لأنها جديرة أن تنقل إلى لغة عالمية"لكن الأحلى من ذلك ماكتب: ما أنتِ؟حارسة للدهر أم خبر يعرى ويورق لايدرى له عُمُر ماأنتِ؟ سرُ من الماضي يطوف على شط الزمان..بجلبابيه يأتزر تغازلين الضحى والليل صامتةً وحول جذعك يعيا يسقط السفر ماأنتِ؟ ملحمة غبراء آونة وتارةً..يتفيَّا ظلك القمر بنت الزمان..سلاماً إنني تعب وها مرافئك السمراء تنتظر آتيك..يحملني شوق إلى قصص في هذه الأرض يفنى دونها السمر يادوحة الأزل المزروع في بلدي شعراً وخمراً واستسقي واعتصر وأرتمي أبداً ظمآن محترقاً على التخوم..فلا كرم ولاتمر قالوا:«الغريب» ووجهنا ركائبنا إليك.. كان شعاع الشمس يُحتضر لم تنبسي حين حييناكِ عن شفةٍ لم الكلام؟يجيد الضجة البشر ورحت أقرأ في صمت..وعاصفة م ن الحنين..على جنبيّ تنفجر هذي أنا قلت لي شمطاء باقية على العصور وعندي اللون والزهر عندي الفصول كما اختار عارية مكسوة عندي الأحلام والصور أنا الحياة أنا الأم التي ولدت تاريخكم يزدهي حولي وينكسر ألمه فوق جذعي مرةً ألقاً يسقي الشموس وآناً يخجل البصر ألفان ِ مما عددتم عمر قافيتي لن يتعب العوف في كفي ولا الوتر أبي هو اليمن التاريخ شاهقة حولي الذرى وبها أزهو وانتصر أقاتل العُدم الطاغي بأجنحتي علّم الناس كيف اليأس يندحر ووحدةً أنا كالأرض التي ضربت فيها جذوري فمن حدوا ومن شطروا خذوا ضفائري الخضراء من عدنٍ إلى ذرى نُقُم في الروعة انصهروا هذي أنا تحت أغصاني «أبن ذي يزنٍ» أناخ يرتاح لما هذه السفر وعبّ منّي «وضاح» قصائده فالبيد أنشودةٌ للحبّ والحضر الشعر ملء دمي مازلت أسفحه زهراً وعطراً تساوي الصحو المطر توحَّدت في ظلالي كل عابرةٍ من الرياح تآخى الصفو والكدر