(اليمن اليوم) ..ينظر للقات بكونه من أكثر الأنشطة الاقتصادية حراكا وديمومة في اليمن بالنظر إلى معدلات نموه الكبيرة وحجم مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي التي تضاهي نصف مساهمة قطاع النفط لكن اقتصادياته لا تزال بعيده عن اهتمامات المخططين وتواجه بأزمات دورية . وتتزايد القوة الاقتصادية للقات سنويا فيما يشبه المتوالية الهندسية فخلال 30 عاما تضاعفت المساحة المزروعة للقات بواقع 13 مرة وهو تزايد هائل قياسا تنامي المساحة المزروعة للعنب والبن والخضروات والحبوب وفقا لبيانات وزارة الزراعة. وأدى نمو الطلب على "القات" خلال السنوات الأخيرة إلى زيادة المساحات المزروعة به بشكل مطرد لتصل مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 54 بالمئة وهي تعادل نصف مساهمة النفط خلال الأعوام من 1990 2000 فيما تتجاوز مساهمة "القات" المباشرة وغير المباشرة في إجمالي الناتج المحلى ال 10 بالمئة . ولا تتوفر بيانات دقيقة بشأن حجم التجارة السنوية للقات غير أن آخر الإحصائيات (2003 ) تشير إلى أن حجم التجارة السنوية للقات تقدر بحولي 400 مليار ريال سنويا . وارتفع عائد الهكتار الواحد من "القات" إلى 2.5 مليون ريال ( عام 2001 )قياسا إلى 547 ألف ريال في المتوسط للهتار الواحد من الفاكهة، وحوالي 540 ألفاً للخضروات و101 ألف ريال للحبوب. ويصل متوسط عائد الأسرة من حيازة هكتار واحد من "القات" بحوالي 350 الف ريال (حوالي 2000 دولار) ويصل متوسط دخل الفرد العامل في زراعة "القات" إلى حوالي 250 ألف ريال سنويا( حوالي 1400 دولار). وارتفعت عائدات زراعة "القات" بصورة كبيرة وأصبحت عائدات الهكتار الواحد تعادل عائدات 16هكتارا من البن و13 هكتارا من العنب و74 هكتارا من الذرة . ومن اغرب الأرقام التي توردها الدراسات أن متوسط ما يشتريه اليمني من "القات" يتراوح بين 300 - 500 ريال لنحو 5 ملايين مواطن ليصل متوسط التكلفة اليومية لشراء "القات" بين 1.5 2.5 مليار ريال يوميا فيما يقدر الوقت الذي يهدره اليمنيون في تعاطي "القات" بحولي 20 مليون ساعة عمل في اليوم و7 مليار و200 مليون ساعة عمل في العام. ومن بين 21 مليون نسمة ثمة عدة ملايين يتعاطون يوميا "القات"في جلسات قيلولة وسمر نهارية وليلية وتصل نسبة تناول "القات" بين الذكور ارتفعت في السنوات القليلة الماضية بصورة كبيرة وبات 80 - 85بالمئة من إجمالي عدد الرجال يتعاطون "القات" فيما تصل نسبة التعاطي لدى النساء إلى 35بالمئة من إجمالي عدد الإناث. وينتشر "القات" في أوساط الشباب وكبار السن من الجنسين وحتى الأطفال دون الخامسة عشرة ..ويعد بالنسبة للأسر اليمنية دليلا على الرجولة ووسيلة مهمة للتواصل والتقاء الأقارب والأصدقاء والعاملين في مرافق العمل كما يعد وسيلة مثلى لدفع بالطلاب للمذاكرة ولتحسين أداء العمال. مزارع "القات" يزرع "القات" في كل المحافظات اليمنية عدا حضرموت ،المهرة وعدن وتقدر الدراسات عدد السكان الذين يتعاطون "القات" يوميا بحوالي 5 ملايين نسمة في حين تشير دراسات أخرى أن عدد من يتعاطون "القات" 3 4 أيام في الأسبوع حوالي 3ملايين نسمة . ويقدر متوسط الإنفاق اليومي على "القات" لدى العامة من الموظفين والطلبة بحوالي 300 500 ريال يوميا ويراوح المبلغ لدى الشرائح المتوسطة والثرية بين 1000 3000 ريال وهو رقم يتجاوز معدل الإنفاق اليومي على الغذاء والسكن لدى الشريحتين . . تنتشر أغلب مزارع "القات" في مناطق الأرياف التي يقطنها 75بالمئة من السكان المشتغلين بالزراعة والرعي . . وتعتبر زراعة "القات" في هذه المناطق نشاطا استثماريا مهما بالنسبة للكثير من الأسر الريفية خصوصا وأن المزارعين يعتمدون في زراعته وريه وحصده وتسويقه على أفراد الأسرة الذين لا يتقاضون في الغالب أية أجور والغالبية منهم من النساء. ومن النادر أن يلجأ المزارع إلى الاستعانة بأيدي عاملة من خارج الأسرة خصوصاً في المزارع الكثيفة ربما بسبب الأجور العالية التي يفترض أن يتحصل عليها العاملون في مزارع "القات" ، ولذلك فان مهنة بيع "القات" هي المهنة الوحيدة التي تنشط فيها النساء في اليمن ، إذ لا يمنع العرف اشتغال المرأة في هذا المجال. أرقام فلكية وجذبت زراعة "القات" في السنوات الأخيرة عددا كبيرا من العمالة الزراعية ،لترتفع نسبة العاملين في زراعة "القات" إلى أكثر من 24بالمئة من إجمالي قوة العمل في قطاع الزراعة. وتوضح بيانات وزارة الزراعة اليمنية ، أن في اليمن أكثر من 260 مليون شجرة قات تتوزع على مساحة تقدر ب 192 ألف هكتار ، بما نسبته 5.26بالمئة من الأرض الصالحة للزراعة وحوالي 7.2بالمئة من مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل و73.6بالمئة من مساحة الأرض المزروعة بالمحاصيل المستديمة . وتؤكد الوزارة أن مساحة زراعة "القات" زادت خلال عقد التسعينات بنسبة 77.7بالمئة بمعدل نمو سنوي يقدر ب7.8بالمئة وهو معدل يزيد قليلاً عن ضعف معدل النمو السكاني في اليمن (3.5بالمئة ) وتزيد ثلاثة أضعاف عن المساحة الكلية للفواكه بكل أصنافها وخمسة أضعاف عن مساحة العنب والتمور وتعادل عشرة أضعاف المساحة المزروعة بالموز. تأثيرات خطرة يجمع الاختصاصيون أن الاتجاه العام نجو زراعة "القات" أدى إلى تأثيرات سلبية عديدة على الموارد الطبيعية ومنها المياه حيث تقدر كميات المياه المستخدمة لري "القات" سنوياً بحوالي 55بالمئة من إجمالي كميات المياه المستخرجة من باطن الأرض سنوياً ، الأمر الذي أدي إلى تناقص مخزون المياه بنحو جعل عدد من المدن اليمنية مهددة بالجفاف في غضون سنوات . وتوضح الدراسات أن التأثيرات السلبية الناجمة عن التوسع في زراعة "القات" لم تنته عند هذا الحد بل طالت أيضاً قضية الأمن الغذائي والاقتصاد الكلي والجزئي وعوائد الضرائب والزكاة وغيرها من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية . ويتركز الاهتمام حاليا في التأثيرات الخطيرة الناتجة عن زراعته من جهة حدوث اختلال في الأمن وتنامي مشكلة نضوب مخزون المياه الجوفية والسطحية بسبب الاستنزاف الجائر للمياه. ويقول الدكتور علي صالح الزبيدي " رئيس قسم الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة صنعاء " إن زراعة "القات" شهدت في السنوات الأخيرة تزايدا كبيرا مقابل تناقص في زراعة المحاصيل النقدية والتصديرية .. بسبب المزايا الاقتصادية التي وفرها "القات" للمزارعين ، خاصة وأن نسبة ربحيته تصل إلى 90بالمئة مقارنة ب17- 53بالمئة للمحاصيل النقدية الأخرى . ومن جهة ثانية يوضح الدكتور الزبيدي أن اليمن واجهت خلال السنوات الأخيرة تغيراً كبيراً في طابع النشاط الزراعي من أهم ملامحه الانخفاض الكبير لنصيب الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من نحو 50بالمئة في السبعينيات إلى أقل من 14بالمئة في منتصف التسعينيات.. وعلى المستوى الصحي تؤكد وزارة الصحة العامة أن "القات" يعد السبب الأول في انتشار الأمراض النفسية في أوساط الشباب كما انه السبب في انتشار حالات السرطان والتليف الكبدي والفشل الكلوي ، وجميعها ناتجة عن الاستخدام المفرط والعشوائي من قبل لمزارعين للمبيدات الكيميائية في شجرة "القات" . وتفيد بعض التقارير أن 70بالمئة من المبيدات الحشرية والفطرية الموجودة في الأسواق اليمنية ( حوالي 120 ألف طن) تستخدم في مزارع "القات" بما في ذلك المبيدات الخطرة المحظور استخدامها دولياً .