- د. عمر عبد العزيز .. ما نراه من تفرق في الأشكال ليس إلا صوراً تتداعى و تمر مرّ السحاب، و لا تموت و إن تلاشت أو خبتْ، و تلك الصور محكومة بضابط كوني مطلق يتجلّى في " البرزخ " بوصفه المعادل الوجودي للثنائيات و معادل يتوسط بينهما فيصل و يفصل بين هذه الثنائيات بوجوه متقلّبة تقلّبَ الأحوال و المقامات، فإذا كان البرزخ هو الحاكم الضابط الجامع لأعيان الكلمات صوراً و ظهوراً و معاني، فإن القطب الصوفي هو الضابط الجامع الحاكم لتجليات الخلْق بتلاوينهم و تناقضاتهم و تدافعاتهم في الحياة . على خط متصل ، توقف "جاك دريدا" و "رولان بارت" أمام اللغة ك (تأليف) فقالا بموت المؤلف كل على طريقته لكنهما لم يفارقا الأصل الذي ذهبنا إليه ، فقد رأى دريدا أن التأليف ليس ترجمة ناجزة لما كتبه المؤلف لسببين: السبب الأول أن من يكتب يتجاوز بالضرورة أفكاره السابقة على الكتابة لأنه يتداعى مع لحظة الإبداع و يفارق بهذا القدر أو ذاك ما كان قد عقد العزم على كتابته، و السبب الثاني أن المتلقي ليس واحداً بل متعدداً، و أن هذه التعددية في التلقي تومئ بتعددية أشمل تتعلق بزمن التلقي و مستوى المتلقي وثقافته و حالاته النفسية ، يضاف إلى كل ذلك، أن التواشج البيوكيميائي بين المؤلف و الكتابة يتصل بكامل البيئة الحاضنة لزمن الكتابة من بياض الصفحة و حتى نور الغرفة و مؤثراتها البصرية و الصوتية ، و هذا يذكرنا بما كان يقوله ابن عربي حول الهاتف و النداء و الصوت و يحيلهم إلى لحظة الكتابة ، فلقد دأب في مؤلفاته على استهلال مثل هذا : " في سنة كذا و كذا جاءني هاتف و طلب مني أن أسطر هذا الكتاب" أو " في يوم كذا من سنة كذا سمعت نداء يميد بي إلى أخذ القلم و الكتابة " الخ . يقول ابن عربي إن في العالم لغة واحدة فقط ، ويجير كلامه على العربية معتبراً لغة القرآن بمثابة اللغة الجامعة الشاملة والحاضنة لكل اللغات، والتفسير يكمن في قراءة مراتب الحروف من حيث الرسم والصوت والعلاقة بالكلام، والعلاقة بالتلقي ، والعلاقة بموسيقى الوجود أو ميزان الوجود المحكوم بالنواميس الإلهية والمشيئة الربانية ، وبالتالي فإن هذا الميزان يمثل الجبر في ثنائية الجبر والخيار ، فيما يستطيع الإنسان أن يذهب في خياره إلى حدود التعدي على النواميس فيخسر نفسه لا محالة، فالاتساق مع المشيئة الربانية وميزان الكون مدعاة للنجاة، والاعتداء عليها مدعاة للهلاك. [email protected]