فرضت العولمة الثقافية جماليتها الخاصة لتلقّي الأعمال الابداعية، وذلك عبر سيادة المزاج السريع والخاطف في التملك الجمالي للفن والإبداع، كما نلاحظ بصورة واضحة في اغاني الفيديو كليب وصحافة التابلويد الإثاروية وما تعج به شبكة الانترنت من معلومات، والانماط الجديدة من الغناء، والسينما، والمسرح والتشكيل.. وغير ذلك من تسارعات اصبحت تشكل لهاثاً متبادلاً بين المبدع والمتلقي.. جنون حقيقي هو ما نشهد اليوم من انبجاسات لتجددات لا حدود لها ولا تقف عند ثوابت ماتم التعارف عليه وترسيخه اكاديمياً وجمالياً على مدى قرون من الاجتهاد إبداعاً وتنظيراً.. لقد تغيرت الموازين وانقلبت رأساً على عقب فما كان مستهجناً وقبيحاً بالأمس القريب يتحول اليوم الى مطلب ملح لعقول وقلوب لم يعد لها طاقة وفسحة للتأمل. والحال فإن الاستهلاك يشمل كل جوانب الحياة بما في ذلك الانسان الذي يخضع ل(رجيم) قسري مزاجه اللهاث فاللهاث ابتداء من الجري وراء سراب الارباح الواهم، فالمكثر في التعاطي مع القيم المادية المباشرة، فالتشتت في الذائقة البصرية والسماعية والكتابية.. فالوقوع النهائي في حلزون إعادة إنتاج أمر لا يمسك به الانسان ولا يدرك كنهه، ولا يستطيع التخلص من نتائجه. هذه المسائل كلها تشير الى ان مفهومات التلقي وجمالياته تغيّرت بصورة راديكالية ومتسارعة، وبالقدر نفسه اصبح على منتج العمل الفني ان يتساوق ويتغير معها شاء أم أبى.. ذلك ان سوق الاستهلاك لهذا الفن لم يعد يطيق (الرتابة) والإملال والتأمل الواسع بل يتطلب اللقطات الخاطفة والمثيرة حتى ولو خلت من أي معنى مباشر.. ويوماً عن آخر تزداد الدائرة الجهنمية للتسارع في دورانها وإعادة انتاجها لنواميس مفارقة لما كان ولما يمكن ان يصدر عن أي خيال يراقب المستقبل.. ولقد اعترف علماء المستقبليات بهذه الحقيقة.. بل إن كبار صناع الأجهزة الرقمية أصبحوا عاجزين عن مجاراة ما يجري من تجديد في هذا الميدان، فكيف بنا نحن المتلقين العاجزين والمسلوبين حد الإلغاء والتماهي مع آلة الاستهلاك اليومية.. تلك الآلة الجهنمية التي تدور كما لو أنها حرب معلنة ضد الجميع وينطبق عليها قول الحكيم الجاهلي زهير ابن أبي سلمى : وما الحرب إلا ماعلمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم متى تشعلوها تشعلوها كريهة وتضرى إذاً ضريتموها وتضرم [email protected]