كان الإمام علي "كرم الله" وجهه دقيقاً عندما وصف حمل القرآن على أسنة الرماح في موقعة الجمل بأنها "كلمة حق يُراد بها باطل". وكان حصيفاً في رؤيته عندما أخذ بخيار الحل السلمي تلافياً لتقاتل المسلمين بالرغم من استيعابه للخديعة السياسية. أما الذين خرجوا عليه تعصباً له أو تعصباً ضده فقد مثّلوا المشروع التاريخي للفتنة المستديمة التي مازالت تطل برؤوسها حتى يومنا هذا. ليس الاستبداد فطرة وخصيصة عربية إسلامية كما يذهب البعض.. بل إنها صفة دائمة في التاريخ الإنساني.. تتجلّى بكيفيات مختلفة، وتأخذ آماداً وأبْعاداً تتناسب مع الظروف التاريخية والأحوال الثقافية والفكرية. ولقد كانت محاصرة الاستبداد واحدة من أكثر الاهتمامات حيوية لدى المفكرين والنخب، كما أن مقارعة ثقافة الاستبداد بثقافة الشفافية والسماحة كانت ومازالت حاضرة في قلب المشهد الصراعي الإنساني الذي ظل قابعاً في تضاعيف المحنة البشرية المستديمة. العالم العربي بحاجة إلى إنعاش ثقافة التنوع وتعايش الأنساق، والتبادل السلمي للسلطة، والتشارك في صنع المستقبل؛ لأننا بمثل هذه الشروط فقط نستطيع أن نحاصر الاستبداد وأن نبين تهافت المزاعم النظرية والتاريخية والسيكولوجية التي تحاول تبرير الاستبداد وتشريعه. [email protected]