الذي يفصل بين النص والصورة في المطبوعة والتلفاز يجافي الحقيقة؛ لأن النص ليس في نهاية المطاف سوى صورة تتجلى بصرياً لمن يفتح صفحة الكتاب أو الجريدة أو المجلة وكذا من يشاهد التلفزيون، والذي يعتقد أن النص هو الحامل للدلالة والمعنى دون الصورة إنما يغالط نفسه؛ لأن الصورة تحمل تعبيراً جمالياً وقيمة معرفية تماماً كالنص، وبالتالي فإن مجاورة الصورة بالنص بطريقة ميكانيكية إنما تعكس تخلفاً مفهومياً وذوقياً تجاه تكامل العنصرين. لسنا نحن أول من أدرك أو لاحظ التكامل الإبداعي بين المستويين، بل قدامى الأسلاف أيضاً سواء في العالم العربي أو العالم الأوسع. وإذا راجعنا المؤلفات التاريخية سنكتشف دون أدنى عناء أن واضعي تلك المؤلفات كانوا يولون اهتماماً كبيراً للمدخلات الجمالية المرصوفة على فراغ الصفحة والمتناغمة مع النص المكتوب، آية ذلك ان مهنة الخط كانت من المهن الرفيعة التي لا تقف عند حدود الكتابة المباشرة للمؤلف، وإضفاء الزخارف والنمنمات والهوامش والألوان على المساحة المسطورة، بل إن الخطّاط كان يتعمّد تغيير نمط الخط بحسب طبيعة المادة المكتوبة، ووصل الأمر بالبعض منهم إلى المناورة على الخطوط الأفقية والرأسية والجانبية بطريقة أقرب إلى الرسم الفني على الصفحات، وليس غريباً والأمر كذلك أن يقال عن علماء الكتب بأنهم علماء الرسوم وذلك للتدليل على أن الرسم هو الحامل للمادة المكتوبة، بل الموازي الدلالي والجمالي للنص المكتوب. لقد كانوا يتعاملون مع الكتاب بوصفه وحدة بصرية متماسكة، وكانت الصفحات تنساب كما لو أنها لوغاريتمات رياضية، وكما لو أنها موسيقى بصرية شجية. ان النظر إلى ثنائية الصورة / النص باعتبارهما ثنائية جبرية تكاملية يعني الاعتلاء بقيمة الصورة والنص معاً.. كما يعني افتراض التقاطع البديهي بين المستويين وخاصة في زمن الوسائط المتعددة والقابليات الإخراجية الهائلة لمعالجة الصفحات البيضاء في المطبوعات المختلفة وإخراج البرامج التلفزيونية بطرائق متجددة. يصبح المعادل البصري بمثابة الحامل الأكبر لرسالة المطبوعة والتلفزيون أيضاً، لأنه يضع في الاعتبار القراءة الهامسة.. والمشاهدة الإشارية، الإيحاء والاستنطاق الدلالي. لقد انفتحت أبواب واسعة وعريضة لثقافة الصورة التي تتقافز هنا وهناك كأنها خارجة من مرجل التاريخ.. مُصاهرة للتكنولوجيا الرقمية ومجاورة لكل أبعاد الحياة المعاصرة.