الذي يفصل بين النص والصورة في المطبوعة يجافي الحقيقة؛ لأن النص ليس في نهاية المطاف سوى صورة تتجلى بصرياً لمن يفتح صفحة الكتاب أو الجريدة أو المجلة . والذي يعتقد بأن النص هو الحامل للدلالة والمعنى دون الصورة إنما يغالط نفسه؛ لأن الصورة تحمل تعبيرًا وقيمة معرفية تماماً كالنص . وبالتالي فإن مجاورة الصورة بالنص وبطريقة ميكانيكية إنما يعكس تخلفاً مفهومياً وذوقياً تجاه تكامل العنصرين . لسنا نحن أول من أدرك أو لاحظ التكامل الإبداعي بين المستويين الافتراضيين بل قدامى الأسلاف أيضاً سواء في العالم العربي أو العالم الأوسع .. وإذا راجعنا عديد المؤلفات التاريخية سنكتشف دون أدنى عناء أن العرب والمسلمين كانوا يولون اهتماماً كبيراً لما أسموه بعتبات الكتاب .. والمقصود بعتبات الكتاب تلك الهوامش المكملة للنص أو المتن وتكون عادة من الزخارف أو التأليف على الهوامش أو التعليقات العابرة أو مايرد داخل المتن من أشكال كالنجوم وعلامات الوقف المميزة. لقد كانوا يتعاملون مع الكتاب بوصفه وحدة بصرية متماسكة .. وسنجد أن البعض استخدم الرسومات، بالإضافة إلى ماذكرنا أعلاه . عند الأوروبيين أخذت المسألة أبعاداً أكثر ثراء في تعاملها مع الصورة الواقعية، أي تلك الصورة التي لاتختنق ضمن ثنائية ( التشبيه - التجريد ) كما حدث في الكتاب التاريخي عند العرب والمسلمين .. ولهذا السبب بالذات لعبت الصورة دوراً كبيرًا في إيصال رسالة المؤلف الأوروبي حتى إنها توازت مع النص في أهميته ودلالته. إن النظر إلى ثنائية الصورة - النص باعتبارها ثنائية افتراضية تجويزية يعني الاعتلاء بقيمة الصورة والنص معاً .. كما يعني افتراض التقاطع البديهي بين المستويين وخاصة في زمن الوسائط المتعددة والقابليات الإخراجية الثورية لمعالجة الصفحات البيضاء في المطبوعات المختلفة . يصبح المعادل البصري بمثابة الحامل الأكبر لرسالة المطبوعة؛ لأنه يضع في الاعتبار القراءة الهامسة أو الإيحاء أو الاستنطاق الدلالي بالنظر المباشر، وهو الأمر الذي جعل القائمين على أمر المطبوعات المختلفة يعتنون أيما عناية بالإطلالة الأساسية لصفحات مطبوعاتهم، والتي تتجسد في الصفحة الأولى. بالنسبة للمخرجين الذين يصممون وينفذون الصفحات ليس النص في عرفهم سوى كتلة بصرية محايدة لاعلاقة لها بالمضمون .. لكنهم إلى ذلك يتعاملون مع النص بحساسية الرائي للدلالة حتى لا يكون الإخراج مجافياً لطبيعة الموضوع وسابحاً في فضاءات مختلفة . هنا نستطيع التفريق بين صفحات المنوعات من السياسي والاقتصادي والرياضي، وهكذا. لقد انفتحت أبواب واسعة وعريضة لثقافة الصورة التي تتقافز هنا وهناك كأنها خارجة من مرجل التاريخ .. مصاهرة للتكنولوجيا الرقمية ومجاورة لكل أبعاد الحياة المعاصرة.